خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ وَلَّىٰ مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يٰمُوسَىٰ لاَ تَخَفْ إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ ٱلْمُرْسَلُونَ
١٠
-النمل

تيسير التفسير

{ وألق عَصَاك } عطف على أن بورك، أى وبلفظ ألق عصاك، كما قال: " { وأن ألق عصاك } "[القصص: 31] بعد قوله عز وجل: " { أن يا موسى إنى أنا الله } "[القصص: 30] ولا يعارض ذلك بتجديد النداء، لأنا علقنا يا موسى بقوله: { وسبحان الله } وإن علقناه بما بعده، فلا بأس بجملة معترضة، وجاز العطف على بورك بلا تأويل لفظ إذا جعل دعاء من غير الله، والله لا يدعو، واذا جعل أخباراً أيضاً لأن سيبويه أجاز عطف الطلب على الخبر والعكس، والتخالف بالاسمية والفعلية، لأنه أجاز: جاء زيد ومن عمر وبالعطف، فيجوز عطف ألق على " { إنه أنا الله العزيز الحكيم } "[النمل: 9] وقدر بعض القول معطوفاً على بورك، أى وقيل له ألق.
{ فلمَّا رآها تَهْتزّ } أى فألقاها فانقلبت حية تهتز، فلما رآها تهتز { كأنَّها جانٌ } حية صغيرة خفيفة سريعة التحرك والتنقل، مع عظم جرم العصا، كما قال:
" { ثعبان مبين } "[الأعراف: 107، الشعراء: 32] أو هى فى حال تحركها تتحرك بخفة تارة، وبثقل أخرى، فى مقام واحد { وَلَّى مُدبراً } منهزماً خائفاً { ولم يُعقِّب } لم يرجع الى عقبه أى خلفه { يا مُوسى } قلنا: يا موسى { لا تخف } من تلك الحية { إنِّى لا يخاف لَدىَّ المرْسَلُون } ما لم أخوفهم، وإذا أخفتهم خافوا، وإنما أخاف الله تعالى موسى لقتله القبطى، والخوف الذى هو شرط فى الايمان لا يفارق الأنبياء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "أنا أخشاكم لله تعالى" ومعنى الآية أنى لست أخوفك بها، ولا أضرك بها، فان شأنى مع رسلى لا أخوفهم، ولا أضرهم، أو لا تخف غيرى حية او غيرها ثقة، أو أترك الخوف مطلقاً باستعمال الخوف بدون اعتبار مخوف منه.
وقيد بلدىّ أى فى حضرة القرب منى، وذلك حين الوحى، وأما فى سائر الأحوال، فالمرسلون أشد الناس خوفاً من حصول التقصير وسوء العاقبة ولو عصموا، لأنهم ينسون العصمة وتتغلب عليهم المخافة والاجلال، ويخافون شر ما لم يظهره الله لهم، وكذلك المبشرون من الصحابة، ولا عصمة كعصمة الملائكة، وهم يخافون، لما مكر بابليس بكى جبريل وميكائيل عليهما السلام، فقال الله عز وجل: "ما يبكيكما؟ " فقالا: يا رب ما نأمن من مكرك، فقال الله تعالى: "هكذا كونا لا تأمنا مكرى".