خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَتَفَقَّدَ ٱلطَّيْرَ فَقَالَ مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ
٢٠
لأُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لأَاْذبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ
٢١
-النمل

تيسير التفسير

{ وتَفقَّد الطَّيْر } اختبر أحوالها إجمالا، مراعاة للرعية، ولا سيما الضعفاء كالطير، فلم ير الهدهد، أو جاءته الشمس فى جنبه الأيمن، وهو موضع الهدهد فوق فى الاظلال، أو طلبه ليدله على الماء فى مفازة تحت الأرض، وكان الهدهد يرى الماء فى داخلها، فتسلح الجن الأرض اليه فى سرعة فلم يره { فَقَال مالى لا أرى الهُدهُد } مع أنه معنا، وأى ساتر له إذ قد يستتر بما هو أعظم { أمْ كان من الغَائبينَ }، ولم أشعر بغيبته، واختار بعض أن ام منقطعة، أى بل أكان من لغائبين، وما ذكر من أن الهدهد يرى الماء تحت الأرض، ذكر عن ابن عباس، واعترضه نافع بن الأزرق بأنه ينصب له فخ وتستر له حبة بالتراب فيصاد، وأجاب بأنه اذا جاء القدر حال دون البصر، فقال: لا أعارضك بعد، وأجبنا بأنه اختص هدهد سليمان بذلك، أو يرى الحبة ولا يعرف أن أخذها من الفخ يوجب صيده، أو يعرف ويظن أنه ينجو بوجه، وصحح الحاكم ما ذكر من رؤيته الماء تحت الأرض.
ويروى أنه سار الى مكة شكراً على بناء بيت المقدس، والمشهور أنه مر عليها فى طريقه الى اليمن، وقال: يخرج من هنا نبى عربى ينصر على من عاداه، ويسير النصر أمامه شهراً، يجىء بدين ابراهيم، طوبى لمن أدركه وآمن به وهو خاتم الأنبياء والرسل، فبلغوا ذلك لغيركم وبينكم وبينه ألف عام، وسار منها الى اليمن صباحا يوم سهيلا، فوافى صنعاء وقت الزوال، فرأى أرضا أعجبته خضرتها، فنزل ليتوضأ ويصلى، فتفقد الطير للهدهد يدله على الماء.
وعن كعب الأحبار أنه سار من اصطخر يريد اليمن، فمر على المدينة فقال: هذه مهاجر نبى يكون آخر الزمان، طوبى لمن اتبعه، ورأى أصناما حول الكعبة فجاوزها، فبكت فأوحى الله اليها ما يبكيك؟ قالت: نبيك وأولياؤك لم ينزلوا عندى، ويصلوا، وحولى أصنام، فأوحى الله تعالى: إنى سأعمرك بأفضل الأنبياء وأفضل الأمم، وأفرض عليهم الحج راغبين أشد الرغبة فيك، يزفون اليك زفيف النسر الى وكره، والحمامة الى بيضها، والناقة الى ولدها، وأطهرك من الأصنام، وذكروا أنه تقرب كل يوم فى اقامته فى مكة على رواية دخولها بخمسة آلاف بقرة، وخمسة آلاف ناقة، وعشرين ألف شاة، وهذا بعيد، وهل يوجد فى الشام أكثر من هذا، حتى أخذ منه هذا، وهل حمله فى البساط أو وجده فى مكة، ولم خص النوق، وهلا قيل: بعير فنؤمن بانه أكثر القربان، وأنه قصد اليمن، وتفقد الطير ولم ير الهدهد فقال:
{ لأعذبنَّه عذابا شديداً } بنتف ريشه كله أو نصفه أو ريش جناحيه، وذلك مع إلقائه فى النمل أو فى الشمس، أو بطليه بالقطران، وإلقائه فيها، أو بحبسه فى القفص، أو بتفريقه عن الفه، أو بحشره مع غير جنسه، ويقال: أضيق السجون معاشرة الأضداد، او بابعاده من خدمته، أو بالزامه خدمة أقرانه أو نحو ذلك، أباح الله له ذلك تأديباً، كما تضرب الدابة والعقاب على قدر الفعل، لا على قدر الجسد.
{ أو لأذبحنَّه أو ليأتينِّى بسُلطانٍ مُبينٍ } حجة ظاهرة، وفى اللفظ مناسبة لسببها فى جلب سلطان وهو بلقيس، والقسم على الأولين متردداً أو مخيراً لا على الثالث، فانه ساقه على طريق النجاة به عنهما.