خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ
٣١
-النمل

تيسير التفسير

{ ألاّ تعْلوا علىَّ وأتُونى مسْلمينَ } كتب إليها وهى قارئة كاتبة بعربية سبأ وأشكال حروفهم، لأن الهدهد أخبره أنها من سبأ، ومن نسل يعرب بن قحطان، أو نسل تبع، وهو المشهور وفيهم جودة الخط، وتعلم أهل الحجاز منهم الخط، وقد علم الله عز وجل سليمان نطق الطير، فهو أحق ان يعلمه لغة العرب، وأشكال حروفها، وهى أفضل لغة، وحروفها أفضل أشكال، ويحتمل أنه كتب اليها بالعربية وأشكالها على يد ترجمان يترجم اليها لغته، أو لها ترجمان يترجم لها لغة سليمان وأشكال حروفها أو كانت تعرف لغة سليمان وحروفه.
واختار بعض أن لا يغير لغته وحروفه الى لغتها وحروفها، فزعت أولا بالكتاب، ثم اشتد فرحها، ألا ترى الى قولها: إنِّى وقولها كتاب كريم، ومن كرمه أنه مختوم بالمسك ففى الحديث:
" كرَّم الكتاب خمته" ، وفسره ابن عباس به، فيستحب ختم الكتاب لذلك، وهو أن يطوى ويقلق عليه بمانع، كما تختمه بعلك، ويقال: من كتب الى أخيه كتابا لم يختمه، فقد استخف به، ومن كرامته أنه باسم ملك عظيم، وأنه على غير معتاد، إذ جاء به طائر، وأنه قصدها او لبدئه باسم الله عز وجل، فقد أقرت به، ولو عبدت غيره، وأن لم تعرفه فقد استعربت ذكره.
وقيل: من كرمه أنه من السماء، ويرده أنه من سليمان، فلا تظنه أنه من الله عز وجل، ولا من الشمس التى تعبدها، ولم تذكر اسم الملقى لجهلها به على أنه ألقى اليها، وهى نائمة، أو لتحقيرها اياه على أنها أخذته من الهدهد فى الكوة، أو يقظت حين ألقاه، وهو خلاف ما مر أنه من الكرم، وذلك محتمل، أو لايهام قومها ان لها اتصالا بأمور لا يعلمون طرقها، وعلى أنه ألقاه إليها بحضرة الناس فللعلم به، ولعدم الاهتمام به، وهو خلاف ما مرّ من الكرم وكأنه قيل ممن هذا الكتاب وما مضمونه؟ فقالت مؤكدة لشأنه وللجواب: انه من سليمان، والهاء الأولى للكتاب والثانية لمضمونه، أخرج ابن أبى حاتم، عن يزيد بن رومان أن لفظ العنوان بسم الله الرحمن الرحيم من سليمان بن داود، الى بلقيس ابنه ذى شرح وقومها، أن لا تعلوا على الخ فقدم اسم الله، ولو لم تقدمه بلقيس فى كلامها، أو ذكر فى العنوان لسليمان وحده، وقدم عليه فى داخل الكتاب البسملة.
ولا ضعف فى قول ابى حيان إنه بدأ باسمه وقاية لاسم الله عز وجل، عما قد يصدر منها، إذ كانت كافرة، وقوله: { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم * ألاَّ تعلوا علىَّ وأتونى مسلمين } لفظ واحد بالحكاية خبر لأن مفرد، وأما قبل الحكاية فلبسم الله الرحمن الرحيم متعلق بمحذوف خبر مقدم، وأن لا تعلوا علىَّ مبتدأ بالتأويل، وأن مصدرية ولا نافية أى بسم الله الرحمن الرحيم انتفاء علوكم على، وأتونى مسلمين جملة طلبية معطوفة على خبرية، بل لا تخلوا هذه الخبرية عن طلب، ويجوز أن يكون ان تفسيرية لمضمون الكتاب، ولا ناهية وخصت هذه الأمة بالبسملة الا سليمان أو هى فى كلامه بغير العربية، ومعنى مسلمين مؤمنين بالله وحده، وأن سليمان رسوله، وهكذا دعاء الأنبياء، وإن طولبوا بالحجة أقامواها، وهذا شأنه لا يقدح فيه أنها سمته ملكاً لجهلها.