خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِيۤ أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ
٤٠
-النمل

تيسير التفسير

{ قالَ الذى عنْدهُ علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبل أنْ يرتَدَّ اليكَ طَرْفك } أعاد القول بيانا لتفاوت القولين ورجحان الثانى، حتى أنه لا اعتبار للأول إلا إذا فسرنا القيام من مقامك باستوائك واقفاً، فانه قريب من مقدار ارتداد الطرف لكن يبقى التفاوت ببعض المدة، وبأن ما من الذى علم من الكتاب أقوى وأنسب مما نسب لقوة البدن، والعلم إدراك أو أمر معلوم أدركه يجاب به الدعاء، والكتاب التوراة أو الجنس أو اللوح المحفوظ.
وقيل: الذى أرسل الى بلقيس هو آصف بن برخيا بن شمعيا بن منكيل، وأمه باطور من بنى اسرائيل، وهو وزير سليمان وابن أخته، يعلم الاسم الأعظم، وكان كاتبه، أو هو رجل اسمه أسطوم، وقيل: أسطورس، وقيل، رجل يقال له: ذو النور، وقيل الخضر، وقيل رجل اسمه ملخ أو تمليخا، وقيل يقال له هود، وقيل ضبة بن أد جد بنى ضبة من العرب، يخدم سليمان، وكان على قطعة من خيله، وقيل: جبريل، وقيل ملك آخر من الملائكة، أيد الله به سليمان عليه السلام، والمشهور الأول آصف، دعا: يا حى يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، يا حى يا قيوم، يا إلهنا وإله كل شىء إلهاً واحداً، إتينى بعرشها، دعا بذلك فأتت به الملائكة من تحت الأرض، ووضعته بين يدى سليمان، وكاف آتيك فى الموضعين لسليمان.
وقيل: هو سليمان لأنه أعلم أهل زمانه، سجد ودعا فالكاف الثانية، وكاف إليك وطرفك خطاب منه للعفريت استحقار منه لقوة العفريت بالنسبة لما فى العلم، ومعنى إتيان سليمان به للعفريت استحضاره فى موضع هو فيه، والصحيح هو الأول، وتخصيص أحد من أمة نبى بما لم يكن لذلك النبى لا يقدح فيه، لأن الله أن يفعل ما شاء، وأيضاً لم يخبرنا الله أن سليمان لا يقدر على ذلك، وأيضاً ذلك للرجل مع عظم شأنه تحت سليمان، وخدم من خدمه، والموصول وصلته، يجوز استعماله فى غير معلوم للتعظيم، نحو:
" { فغشيهم } "[طه: 78] الخ، فلا يلزم ان يكون هو سليمان، وقوله: { من فضل ربى } حمد على ما أجرى الله تعالى له على من تحت يده.
وأيضا جرى على يد آصف، ليعلم الناس أنه خليفة بعده، ويعلموا فضله، وأن ما ناله انما ناله بصحبة سليمان والمراد بارتداد الطرف مدة رجوع نظره اليه بحسب اختياره لا الى خصوص نفسه، فانك تنتقل من نظر شىء الى ما شئت من إمساكه عن النظر، ومن نظره الى آخر وفسره بعض بانضمام الجفن بعد فتحه، ويروى أن آصف بن برخيا قال لسليمان: مد عينيك حتى ينتهى طرفهما فنظر نحو اليمن كذلك، فحضره العرش قيل ارتداده.
{ فلمَّا رآه } بعينيه { مستقرأ عنْدَه } الاستقرار كون خاص لا عام، ولذلك ذكر ولم ينب عنه الظرف، فان المراد به الثبوت مع الرسوخ، وعدم التزلزل الى جهة، وبين موضعه من الشام، وموضع العرش من مأرب مسافة شهرين، وقيل هو حينئذ فى صنعاء فبينه وبين العرش ثلاثة أيام، وجاء بين السماء والأرض، وقيل: انشقت به الأرض، وقال ابن العربى أعدمه الله فى محله، وأوجده عند سليمان كخلق الميت بعد موته.
{ قال هذا } ما ذكر من استقراره عنده { مِنْ فَضْل ربى } لى أو على من غير استحقاق ذاتى { ليَبْلوَنى } خبر ثان، أو متعلق بقوله من فضل ربِّى { أأشكر } هذه النعمة بزيادة العبادة وزيادة الايمان، وزيادة التواضع، والتبرؤ من حولى، وقوتى، وحول غيرى وقته، من اعتبار الوسط { أم أكْفُر } عكس ذلك { ومنْ شَكَر } نعم الله { فإنما يشْكُر لنَفْسِه } قصد الشكر لنفع نفسه، بإدامة الموجود، وجلب غيره، وأداء الواجب أو قصده تعبدا بدون قصد النفع، أى فشكره عائد إليه { ومن كَفَر } النعمة، جوابه محذوف أى فانما أهلك نفسه أغنى تعليله عنه بقوله: { فإنَّ ربِّى غنىٌّ } أى لأن الله غنى عن شكره، لا نفع له فيه لا يضره كفره، فايه خالق النفع والضر، ومن شأنه الكرم على العاصى والمطيع، وحصلت المناسبة لقوله: { كريمٌ } لا يقطع النعم بكفرها، ولا يعجل به الانتقام إلا قليلا، ولا تجز فى القرآن أو غيره، أن تكون من موصولة، والفاء صلة فى خبر المبتدأ إلا لداع صناعى او معنوى.