خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَلَمَّا جَآءَهَا نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي ٱلنَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ ٱللَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ
٨
يٰمُوسَىٰ إِنَّهُ أَنَا ٱللَّهُ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ
٩
-النمل

تيسير التفسير

{ فلمَّا جاءَهَا } أى النار لا الشجرة إذ لم يجر لها ذكر، وذلك مجاراة على ظنه أن ما رأى نار فلا يقال: إن الله يعلم انها ليست ناراً فكيف يقول: فلما جاء النار { نودِىَ } أى موسى من جانب الطُّور { أن بُوركَ } أن مخففة، واسمها ضمير الشأن، لأنها قد تكون بلا فصل بقد، ولا بالسين، ولا سوف، ولا حرف النفى، والباء مقدرة أى نودى بانه بورك، والكلام إخبار بالبركة، لا دعاء بها لا تفسيرية، وإلا بقى بلا منادى من أجله، وأيضاً النداء غير البركة، ويجوز ان تكون إن هى المصدرية الداخلة على الماضى، كقوله تعالى: " { أنْ كان ذا مال } "[القلم: 14] بل هذا أولى وان جعلنا بورك دعاء من ملك أو صورة دعاء، فلا إشكال فى جعلها مخففة لعدم اشتراط الفصل إلا ما لم أزل ألهج به من عدم جواز دخول حرف المصدر على الطلب، لأنه لا خارج له يعبر عنه بالمصدر.
{ مَنْ } نائب الفاعل { فى النار ومَنْ حَولها } أى من فى مكان النار، ومن حول مكانها، وهم الأنبياء الموتى المقبورون، والمراد أرض الشام، وهى محلهم، ومكان النار نفس الموضع الذى فيه، فحذف المضافان، ويدل لما ذكر قراءة أبى: تباركت الأرض ومن حولها، وقد قال الله عز وجل:
" { نودى من شاطىء الوادى الأيمن فى البقعة المباركة } "[القصص: 30] وتلك الأرض الشام كلها، وهى مبعث الأنبياء، وقبورهم، وتكليم موسى، وقيل مَنْ فى النار موسى، ومن حولها الملائكة الحاضرون، وقيل: من فى النار الملائكة بالتسبيح والتهليل، ومن حولها موسى إذ هو حادث عليها، وقيل: من فى النار الله سبحانه، ومن حولها موسى والملائكة.
ومعنى كون الله عز وجل فى النار أنه الخالق لها فى ذلك المحل، المالك، ومعنى كونه بورك، أنه نزه عن الحلول وصفات الخلق، وذلك أنه نادى موسى وأسمعه من جهتها، وفى التوراة: جاء الله من سيناء، وأشرف من ساعين، واستعلى من جبال فاران. ومعنى مجيئه من سيناء مجىء موسى منه، وإشرافه من ساعين مجىء عيسى، واستعلاءه من جبال فاران مجىء محمد عليه وعليهما السلام، وفاران مكة، او المراد بورك موسى والملائكة ببركة النار، وقد قيل: إنها نور حسبها موسى ناراً، أو الظرفية مجازية فتفنى عن تقدير المضافين بالقرب التام.
{ وسبحان الله } سبح الله تسبيحاً { ربِّ العالمين * يا موسى } أى نزه الله يا موسى عن صفات الخلق من الحلول فى مكان وزمان، والتشخص، والنطق، والخرس، والجوارح، حذره عن التشبيه حين سمع كلامه، فانه كلام خلقه الله فى الشجرة، او فى الهواء، أو فى جسم موسى، أو تكلم به ملك عنه تعالى، وليس ذلك خبراً من الله، بل أمر ولا حاجة الى جعله تعجباً على تقدير القول، أى وقال سبحان الله، نعم يجوز ان تكون تعجيباً وهو صادق بتفسيرى، ولا ينافيه فإن أره بالتنزيه تعجيب، نعم يجوز أن يكون ذلك من كلام موسى، اى سبحت الله تسبيحاً، وإذا علقنا يا موسى بما قبله كانت الفاصلة الحكيم، وإن علقناه بما بعده، كانت الفاصلة العالمين.
{ إنَّه أنا اللهُ العَزيزُ الحكيمُ } القادر على الأمور العظام لكمال عزة، كالعصا واليد البيضاء الممهد لذكرهما بعد، كما ترى الحكيم فى أفعاله وأقواله، والهاء للشأن، ويجوز عند بعض عودها الى المكلم المنادى بكسر اللام والدال، وهو الله، فيكون أنا خبر، أو ذلك يؤخذ من المقام، كما أخذ معنى الهاء فى يرضه من لفظ تشكروا، لا مراعاة للفاعل المحذوف عند البناء للمفعول، مع أنه قدير أعنى ومن مراعاته قوله تعالى:
" { يسبح له فيها بالغدوّ والأصال رجال } "[النور: 36] فى قراءة البناء للمفعول، أى يسبح له رجال، والآيات تشير لموسى، والمانع يريد تحقيق المقام والجرى على الأصل.