خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَىٰ فَبَغَىٰ عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ ٱلْكُنُوزِ مَآ إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِٱلْعُصْبَةِ أُوْلِي ٱلْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لاَ تَفْرَحْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ
٧٦
-القصص

تيسير التفسير

{ إنَّ قاروُون كانَ من قَوْم مُوسى } من بنى إسرائيل ابن عم موسى عند ابن عباس، فموسى هو ابن عمران بن قاهث بن لاوى بن يعقوب، وقارون هو ابن بصهر بن قاهث، وعن ابن عباس هو ابن خالة موسى، وعن محمد بن إسحاق أنه عم موسى، فهو ابن يصهر بن قاهث، ويسمى المنور لحسن صورته، وكان أحفظ للتوراة من بنى إسرائيل، ونافق كالسامرى، لما جاوز موسى البحر صارت الرسالة والحبورة لهارون، والقربان والمذبح، وكانا لموسى فأعطاهما هارون فحسدهما فقال: الأمر لكما، فمالى الى متى أصبر؟ فقال: هذا صنع الله، فقال: لا أصدقك إلا بآية فجمع عصى رؤساء بنى إسرائيل فى قبة الوحى التى ينزل عليه فيها الوحى، وحرقوها فاذا عصا هارون عليه السلام مورقة خضراء وهى من شجر اللوز، فقال: ما هذا بأعجب من سائر سحرى.
{ فبغَى عَليْهم } الفاء للترتيب الذكرى لا الرتبى ولا الزمانى، كأنه قيل: أذكر لكم بعد ذكرى أنه من قوم موسى، أنه بغى عليهم، أو للسببية إذ لو لم يكونوا من قومه، بل أجانب لم يتيسر له البغى عليهم، أو يقدر ضل فبغى، والضلال سبب البغى، وهذا البغى ظلم وتكبر وطلب أن يكونوا تحته، وما ليس له، أو بغى عليهم بطلب ما مر آنفاً مما لموسى وهارون، أو ظلمهم حين ولاه فرعون عليهم، ومن كبره أنه زاد فى ثيابه شبرا جعله فرعون واليا على بنى إسرائيل، فكان يظلمهم، ويجوز عود الهاء الى القوم وموسى لذكرهما معا، أو على طريق ذكر بنى آدم، وإرادة ما شمل آدم، كما روى أنه طلب من موسى أن يعظ الناس، فلما وعظهم بالنهى عن الزنى والجلد عليه أو الرجم، قال له قارون: ولو أنت؟ قال: نعم، فقال: إن فلانة البغى تقول زنيت بها، وقد جعل لها مالا على أن ترميه فسلها بالله والتوراة، هل كان ذلك؟ قالت: لا، لكن جعل لى مالا على ذلك، فقال: يا رب إن كنت نبيا فاهلكه، فسلط له عليه الأرض، فنادى ان الله تعالى أرسلنى الى قارون، كما أرسلنى الى فرعون، فليعزل عنه من كان معى، فما بقى معه إلا رجلان فأمر الأرض فأخذت أسرتهم فغيبتها، وقال: خذيهم يا أرض، فأخذتهم الى أوساطهم، وقال: خذيهم، فأخذتهم الى أعناقهم، وقال: خذيهم، فغيبتهم، وفى كل هم يستغثون بموسى وبالرحم، فقال الله جل وعلا: ما أقساك يا موسى لو استغاثوا بى مرة لنجيتهم.
{ وآتيناه من الكنوز } من الأموال المدخرة مجاز مطلق لعلاقة الإطلاق والتقييد، إذا قلنا الكنز هو المدخر بقيد كونه مدفونا، وقيل: الكنز المدخر مطلقا فلا مجاز، وذكر بعض المحققين أنها سميت كنوزا لأنه طالبه موسى بزكاتها، فلم يؤدها، وذلك من أسباب عداوته، ويبحث بأن المعنى حينئذ آتيناه من الأمال التى لم تزك، ويجاب بأنه لا بأس بهذا المعنى، لأن المعنى أكسبناه أموالا ادخرها بلا زكاة، فهى من حقيقة أموال لم تزك، وأل للحقيقة، وعن عطاء: المعنى أطلعناه على أموال مدفونة من عهد يوسف عليه السلام، والكنز مطلق المدفون مع أنه لم يزك بعد يوسف، وإذا صحت هذه الزكاة فى شرعهم، فليست كما هى فى شرعنا، ويبحث بأن قوله:
" { على علم عندى } "[القصص: 78] يدل على أنها بالصنع، إلا أن يقال اطلعت على ذلك الدفين باستعمال ما اطلع به عليه، وقيل: كان يستعمل كل ما وجد من حديد أو نحاس أو رصاص ذهبا أو فضة، ولما أخذته الأرض، وكان يتلجلج فيها الى يوم القيامة، أذهب الله تعالى تلك الأموال كلها، وبيعته الله تعالى يوم القيامة من حيث هو.
{ ما إنَّ مفاتحه } جمع مفتح بفتح الميم اسم مكان بمعنى خزانة، وهى نفس المال المخزون، أو صندوقه وما يخزن فيه، قيل: أو جمع مفتح بكسرها اسم آلة الفتح، ويناسبه قراءة الأعمش: مفاتيحه بالياء بعد التاء جمع مفتاح بالألف، وهو آلة الفتح، وقراءة بديل بن ميسرة ما إن مفاتحه إلا أنه لا يناسبه قوله تعالى: { لتنُوءُ بالمعُصْبة أولى القُوَّة } فان هذه العصبة إنما تثقل عليهم الأموال وظروفها، ولا يتصور أن يوجد من آلات الفتح ما يثقل عليهم، كما كذبوا بأنها وقر سبعين بغلا، وأنها من جلود، وأن كل مفتاح كالأصبع، وأنها تجمع وتحمل، ومن يعرف كل مفتاح وبابه وبيته، والعصبة سبعون رجلا عن أبى صالح، وأربعون عند ابن عباس، وعشرة الى أربعين عند قتادة، وخمسة عشر الى أربعين عند الكلبى، وقيل: من الثلاثة الى العشرة، وعن مجاهد من عشرة الى خمسة عشر، وانما الذى تقبله الآية الكريمة ما روى عن ابن عباس: أن المفاتح الخزائن، وأنه يحملها أربعون رجلا أقوياء، وكانت أربعمائة ألف يحمل، كل رجل عشرة آلاف، يقال ناء به الحمل أثقله، والباء للتعدية كذهب به بمعنى أذهبه.
{ إذْ قال } متعلق بمحذوف أى أحسس به إذ قال { له قَوْمه لا تَفْرح } فرح بطرور كون للدنيا { إِنَّ الله لا يحُبُّ الفَرحين } إلخ فلم يتعظ لا بافتخر، لأنه افتخر قبل قولهم، وزاد فى ثيابه شبرا، إلا أن يراد باذ الوقت الشامل لذلك، وقد أمرهم الله تعالى بخيوط خضر فى أطراف ثيابهم علامة للعبودية، يتذكرون بها الله تعالى، وما أنزل من الوحى، فأبى هو فقال: إنما يفعل هذا بالعبيد ليمتازوا لساداتهم، وهذا أول بغيه، وبعد ذلك طلبه موسى عليه السلام للزكاة، فصالحه بواحد من كل جنس بعير من ألف بعير، وبقرة من ألف بقرة، وشاة من الف شاة، ودينار من ألف دينار، ودرهم من ألف درهم، وهكذا فامتنع فاتفق مع قوم أن يرشوا بغيا بألف دينار وألف درهم، وقيل: بطسة من ذهب، وقيل: بأن يخلطها بنسائه على أن تقذف موسى فتابت وأخبرت موسى عليه السلام بذلك كما مر، والفرحون الذين لا يحبهم الله من يفرحون بالدنيا فرحا يلهيهم عن حقوق الله فى أبدانهم وأموالهم.