خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ ٱلأَدْبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ
١١١
ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوۤاْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَبَآءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْمَسْكَنَةُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ وَيَقْتُلُونَ ٱلأَنْبِيَآءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْاْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ
١١٢
-آل عمران

تيسير التفسير

{ لَن يَضُرُّوكُمْ إلاَّ أَذَى } الأذى الضر اليسير، لن يضروكم أيها المسلمون إلا مضرة أذى بطعن فيكم، وفى بعض الأنبياء والتثليث والنبوة لعيسى وعزير، والتحريف والتخويف، وسب من أسلم منهم كما جعله رؤساؤهم ككعب وأبى رافعٍ وأبى ياسر وكنانة وابن صوريا، لعنهم الله عز وجل، أما مضرة قتل وسبى وغنم وضرب ونحو ذلك فلا إلا شاذَّا، أو الاستثناء منقطع { وَإن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلَّكُمُ الأَدْبَارَ } يصيروكم تالين أقفيتهم وظهورهم ومقاعدهم وبواطن سوقهم لفرارهم قدامكم { ثُمًَّ لاَ يُنصَرُونَ } بدفع بأسكم عنهم، أو تغليهم عليكم، بل يبقون على الذل والهوان، فالترتيب زمانى باعتباره بين المعطوف عليه وأخر أجزاء المعطوف ويجوز أن يكون ترتيب إخبار، وأن يكون ترتيب ربتة، أى وأعظم من ذلك بقاءهم عَلَى الذل أبداً، فلا ينشئون قتالا، وإن أنشأوه كانت الدائرة عليهم ثم يكونون، لا يمكن لهم إنشاؤه، لاستحكام الذل عليهم، وهكذا حال قريظة والنضير وبنى قينقاع وخيبر وغيرهم، حاربوا المسلمين ولم يثبتوا ولم يقاتلوا شيئاً، والعطف على جملة الشرط، والجزاء لا على الجزاء بدليل ثبوت النون، وذلك إخبار بالغيب على طبق الواقع،كما قال الله جل وعلا:
{ ضُرِبَتْ } ألزمت، كقبة بناء محكمة { عَلَيْهِمُ الذِّلَةُ } ضعف القلب فلا يقدرون على نصر أنفسهم، فهم يقتلون ويؤسرون وتغنم أموالهم، وتسبى ذراريهم وتؤخذ أرضهم وغيرها، وتؤخذ عنهم الجزية دون ذلك، إن أذعنوا لها ولا ملك معتبر، ولا رئيس معتبر لكفرهم وتمسكهم بالدين المنسوخ وببدعهم، شبه خزيهم بقبة بجامع الإحاطة ورمز إليها يلازمها، وهو الضرب، وهو تخييل فذلك استعارة مكنية تخييلية، أو شبه الإحاطة بالضرب على الاستعارة الأصلية، واشتق منه على التبعية ضُرِب { أَبْنَ مَا ثُقِفُوا } وجدوا { إلاّ بِحَبْلٍ مّنَ اللهِ } أى فى جميع الأحوال إلا حال تلبسهم بعهد الله، وهو أيضاً حبل من الناس، كما قال { وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ } وهما حبل واحد، كان من الله بخلقه، ومن الناس يجريه على أيديهم، وذلك أن يقضى الله أن يكونوا تحت إمام أو رئيس مسلم بالجزية، أو يحسب ما يظهر له مما هو صلاح للإسلام، أو تحت كافر يرد عنهم الظلم، أو حبل الله الجزية، وحبل الناس ما يرضون به منهم، أو حبل الله الإسلام وحبل الناس العهد والذمة إن لم يسلموا، ولم يقل، أو حبل، لأن المراد أنه يكون النوعان تارة هذا وتارة ذاك، وأعنى عن جواب أين ما قبلها، ولا تقل محذوف دل عليه ما قبله، إذ لا دليل على أن المراد ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا ضربت عليهم الذلة بالتكرير وأنه حذف الثانى للأَول { وَبَآءُوا } رجعوا، وهو كناية عن استحقاقهم بما ذكر بعده من الغضب كما قال { بِغَضَبٍ } إرادة الانتقام، أو نفس الانتقام { مِنّ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ المَسْكَنَةُ } مثل ضربت عليهم الذلة، ألزموا صورتها كلهم، أغنياؤهم وفقراؤهم، لئلا يطالبوا بمال، أو ليطلبوا بقليل لا كثيرا، والمراد أنه يكون أكثرهم فقراء ومساكين { ذَلِكَ } ما ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والبوء بغضب { بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِأيآتِ اللهِ } يكفرون ببعض التوراة وبالإنجيل والقرآن { وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَآءَ بِغَيْرٍ حَقٍّ } تأكيد، لأن قتل الأنبياء لا يكون إلا بغير حق، أو بغير حق فى علمهم أيضا، وإذا ذُمَت اليهود مثلا بما لم يفعلوا فلرضاهم بفعل أوائلهم، ولأنهم لو وجدوا لفعلوا، ألا ترى أنهم تعاطوا قتل النبى صلى الله عليه وسلم بالصخرة وبالسم وغير ذلك، أو ذم ذلك الجنس العاصى، بأن فيهم فعل كذا وفعل كذا، ولو تفرقت تلك الأفعال فيهم، ولا يدخل مسلمهم فى { ذَلِكَ } أى ما ذكر من قتلهم الأنبياء بغير حق، وكفرهم بآيات الله، أو ضرب الذلة والمسكنة والبوء بالغضب، فيكون عللهنَّ بالكفر والقتل وبالعصيان والإعتداء، والأول أولى { بِمَا عَصَوْا } أى عصوا الله، والصغيرة تجر إلى الكبيرة، والكبيرة إلى الشرك، يضعف بالصغيرة فيفسق، فيزيد ضعفاً فالفسق فيشرك، ومثل ذلك أن يترك السنة فيؤديه إلى ترك الفرض، فيؤديه تركه إلى احتقار الشريعة فيشرك { وَكَانُوا يَعْتَدُونَ } أى ذلك بعصيانهم وكونهم يعتدون، يتجاوزون الحدود فيتناولون الحرام، ولهم فى الحلال غنى، ولا حرام إلا بإزائه حلال مغن عنه.