خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللهِ كِتَٰباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ ٱلآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي ٱلشَّٰكِرِينَ
١٤٥
-آل عمران

تيسير التفسير

{ وَمَا كَانَ } ما صح أو ثبت { لِنَفْسٍ أَن تَمُوتَ إلاّ بِإذْنِ اللهِ } لملك الموت فى توفيها، فالإذن على حقيقته، وهو أن يؤمر بفعل ما صلبت أو التخلية بينها وبينه أو إلا بمشيئة الله، لا يؤخرها عن أجلها ترك القتال ولا يقدمها عنه القتال إطلاقا للمسبب على السبب، لأن الإذن مسبب عن المشيئة، أو مستعار للمشيئة فى التيسير، وإذا كان أجلها فى القتال لم نجد تأخيراً عنه، فالمقتول مات لأجله، لا كما قالت المعتزلة، إنه مات لغير أجله، وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أجل أو فى وقت القتل قولان فاسدان، وهذا من الأصول التى ينقطع فيها العذر فنكفرهم بقولهم تكفير نفاق لا شرك، وذلك أن الله تعالى لا يخلف الوعد ولا الوعيد، ولا يتجدد علمه فيبدو له ما لم يعلم، حاشاه أن يخفى عنه شىء ولا ينسى ولا يعجز ولا يغلبه شىء عن الأجل الموعود له، وإذا وقع خلاف ما قضى انقلب العلم جهلا واللوح المحفوظ كذبا { كِتَاباً مُؤَجَّلاَ } كتب الله الموت كتاباً مؤقتاً مبرما، لا يتقدم بقتال كما لا يتأخر بتحرز، وذلك كله تحريض على الجهاد، ووعد بالحياة، وهو مؤكد لمضمون قوله: وما كان لنفس الخ. { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا } معرضاً عن ثواب الآخرة، أو مريداً لثواب الآخرة أيضاً، إرادة ضعيفة لم تصدقه أقواله { نُؤْتِهِ مِنهَا } من ثوابها إن شئنا، ولا ثواب له فى الآخرة ولا نؤتيه إلا ما قسم له، من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد { وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الأَخِرَةِ } وحده، أو مع ثواب الدنيا، غير آكل بدينه ولا قاصداً إياه { نُؤْتِهِ مِنْهَا } من ثوابها لاستعداده له لما اشتد الحرب قال صلى الله عليه وسلم: "من يضرب بهذا السيف حتى ينحنى؟" فأخذه أبو دجانة، سماك ابن خرشة الأنصارى فضرب به حتى انحنى، فلا يلقى أحداً إلا قتله به، وقاتل على قتالا شديداً، ورمى سعد بن أبى وقاص حتى اندق قوسه، ونثل له رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانته، ويقول له: "أرم، فداؤك أبى وأمى" ، وأصيبت يد طلحة ابن عبيد الله ووقعت عين قتادة على وجنته، فردها صلى الله عليه وسلم، وكانت أحسن مما كانت ولا ترمد { وَسَنَجْزِى الشَّاكِرِينَ } الله بالثبات فى أمر الدين، ومنه القتال والثبات يوم أُحد، ما لا عين رأت ولا خطر على قلب بشر أو ملك، وذلك تعريض بمن أكبوا على الغنائم حبا للدنيا، وتركوا المركز حتى قتلوا من ورائهم.