خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
٤٩
-آل عمران

تيسير التفسير

{ وَرَسُولاً } ويجعله رسولا، والجملة معطوفة عَلَى يعلمه، أو وجيها ورسولا، فهو معطوف على وجيها، أو يقول الله فى شأنه أرسلت رسولا { إلَى بَنِى إِسْرَآءِيلَ } وهو أخر أنبياء بنى إسرائيل، وأول نبى من ذرية نبيه موسى، وأما يوسف فنبى من صلبه لا من ذريته، يروى أنه أوتي النبوة وهو ابن ثلاث سنين، وقيل ابن ثلاثين سنة، ورفع إلى السماء ابن ثلاث وثلاثين. وهو المشهور، وقيل: ثلاثة أشهر وثلاثة أيام، والأقوال فى يحيى أيضاً، إلا أنه لم يرفع، والمعتمد عند الجمهور أنهما نبئا على رأس أربعين، وأن عيسى عاش فى الأرض قبل رفعه مائة وعشرين سنة، وبه ورد الحديث، وقد رجع إليه السيوطى فى مرقاة الصعود بعد أن أثبت فى تكملة المحلى وشرح النقاية أنه رفع ابن ثلاث وثلاثين سنة، وإنما هذا قول النصارى، وعيسى رسول الله إلى الناس كلهم، وخص بنى إسرائيل لأنه منهم، والرد على من قال، مبعوث إلى غيرهم لا إليهم، وقيل، مبعوث إليهم خاصة، وقوله تعالى: { ويعلمه الكتاب } إلى هنا تهوين للهم على مريم، لأنهم تهتم ونخاف أن نقذف مع ما تقدم من قوله، إن الله يبشرك إلى هنا خمسة عشر أمرا مبشرا به قبل وجود عيسى عليه السلام { أنِّى قَدْ جِئْتُكُم } متعلق برسولا، أى أرسلنى بأنى قد جئتكم، وفى رسولا معنى ناطق، فكأنه أيضا قيل، ناطقا بأنى، أو يقدر ناطقا نعتا لرسولا يتعلق به بأبى جئتكم، وهذا أولى من أن يقال التقدير، فجاءهم عيسى بأبى قد جئتكم، وزعم بعض أن هذا أولى { بِآيَةٍ مِّن رَّبِكُمْ أَنِّى أَخْلُقُ } بكسر إن مستأنف بيان للآية، وعلى الفتح يكون مصدر أخلق بدلا من آية، أو هى أَبى أخلق،وجعل آيات آية لأنهن كلهن حجة على رسالته، فكأنهن آية واحدة، فالبدل بدل مطابق،إلا أنه باعتبار النفخ، لا بدل اشتمال، لأن إبراء الأكمه والأبرص والإحياء والتنبئة نفس الآية، لا لوازمها، ومعنى أحلق أصور، والمصدر مقدر { لَكُُم } أى لصلاحكم بأن تؤمنوا بى { مِّنَ الطِّينِ } كما صور آدم منه، وأحيا { الطَّيْرِ } على الإطلاق، وقيل الخفاش، لأنه أعجب من سائر الطيور، لأن له نابا وأسنانا، وضحكا وطيرانا بلا ريش، وآذانا وأبصارا فى ساعة بعد طلوع الفجر، وساعة بعد الغروب، لا فى ظلمة الليل وضوء النهار، ولأنثاه حيضا وطهرا، وثديا وضرعا، وولادة بلا بيض، ولبنا كالمنى، ويروى أنهم طلبوا منه الخفاش { فَأَنفُخُ } بفمى { فيهِ } فى هيئة الطير، أو فى شىء كهيئة الطير { فَيَكُونُ طَيْراً بِإذْنِ اللهِ } بإرادته أن يخلق فيه لى الروح، يطير وهم ينظرون، وإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا، ويرونه على حاله قبل الموت لا طينا، وإنما يسقط ميتا ليتميز عما خلق الله، لا على يد عيسى وهكذا قيل، ولا حجة له، ظاهر القرآن يأباه، ولو ثبت لقدحوا فيه { وَأُبْرىءُ الأَكْمَه } الأعمى من البطن، وقد يقال لحادث العمى، لمن لا عين له، ولا موضعهما بل موضعهما كجبهته، كقتادة مفسر القرآن، وكلهم يردهم إلى العينين الباصرتين { وَالأَبْرَصَ } بإذن الله، ولم يذكره لظهور ولذكره قبل، وقد ذكر فى المائدة بلفظ بإذنى، ولأنه لا غرابة فيهما، لأنه بعث فى زمان تمهر الناس فى الطب، فقد يعالجون ذلك إلا من لاعين له، أو من مسقط له داخلها فلا يتعاطون علاجه، فكان يبرىء الناس منهما بدعاء لا بدواء، فذلك معجزة، كما بعث صلى الله عليه وسلم فى زمان تنافس العرب فى البلاغة، فغلبهم بكلامه وبالقرآن، وكما بعث موسى بالعصا ونحوها لما كانوا فى زمانه مولعين بالسحر، وكانوا فى زمانه فى غاية الجذام وأنواع المرض وكثرة ذلك، حتى إنه أبرأ فى يوم واحد خمسين ألفاً بالدعاء، بشرط أن يؤمنوا إذا أبرثوا، وكانوا يأتونه، ومن لم يقدر أن يأتى أتاه عيسى عليه السلام ودعاؤه فى ذلك: اللهم أنت إله من فى السماء وإله من فى الأرض، لا إله فيهما غيرك، وجبار من فى السماء، وجبار من فى الأرض، لا جبار فيهما غيرك، قدرتك فى الأرض كقدرتك فى السماء، وسلطانك فى الأرض كسلطانك فى السماء، أسألك باسمك الكريم ووجهك المنير وملكك القديم، إنك على كل شىء قدير، وإذا قرىء هذا على المجنون وكتب وسقى له برىء بإذن الله عز وجل، وخص الكمه والبرص لأنهما يعيبان الأطباء، وكان يجتمع عليه ألوف من المرضى { وَأُحْيى الْمَوْتَى } كعازَر، بفتح الزاى، صاحبه، أرسلت إليه أخت عازر أنه فى الاحتضار، وبينهما ثلاثة أيام، فمضى عيسى مع أصحابه، فوجدوه ميتاً، مات منذ ثلاثة أيام، فقال لأخته: انطلقى بنا إلى قبره، فدعا الله، فقام حيا بإذن الله، وولد له، وكولد العجوز، مرت به فى النعش على عيسى، فدعا الله له فحيى، فنزل، ولبس ثيابه وحمل السرير لداره، وولد له وكابنة العاشر، أى آخذ العشور من الناس، ماتت أمس وأحياها، وولدت وكسام، قالوا: تحيى قريبى العهد بالحياة، قلعل فيهم بقيتها، فأحيا ساما، مات منذ أربعة آلاف سنة وأكثر، فأحياه بعد أن دلوه على قبره، وسمع قائلاً: أجب روح الله، فقام خائفاً قيام الساعة وشائب نصف رأسه من خوفها، وآمن بعيسى وأمرهم بالإيمان به، فقال عيسى: ارجع ميتا، وسأل عيسى أن يدعو له ألا يجد مرارة الموت، ففعل، وأول من شاب إبراهيم، ولما حيى سام قال: أقامت الساعة؟ قال: لا، فهؤلاء أربعة، وأحيا خشفاً وشاة وبقرة، ولفظ الموتى بعم ويقول فى دعائه لإحياء الموتى: يا حى يا قيوم، ولا يصح ما قيل، أنه يصلى ركعتين، والأولى بتبارك الملك، والثانية بتنزيل السجدة، ويدعو بعدهما، يا قديم يا خفى، يا دائم يا فرد، يا وتر، يا أحد، يا صمد، ويقال: يضرب الميت أو البقر بعصاه فيحييه الله تعالى ويموت سريعا، وقد يطول، وأحيا حزقيل ثمانية آلاف { بِإذْنِ اللهِ } ذكره لدفع توهم الألوهية لعيسى، بخلاف إبراء الأكمه والأبرص فلا تتوهم بها، أو يرجع قوله بإذن الله إلى الثلاثة، جمعهن بذلك لأنهم عمل فى موجود كان قبل على حال رجع إليها بخلاف صورة طينه فإن الحياة لم تسبق إليها، فقال فيها على حدة بإذن الله، ويدل لهذا أن ذكره لهم فى المائدة، وأيضاً قال هنا بإذن الله مرتين، وفى المائدة أربعاً لأن ما هنا إخبار، فناسب الإيجاز وما فيها تذكير نعمة فناسب التطويل والتكرير { وَأُنْبِئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ } اى بما تأكلون فى عادتكم، أو ما تأكلون اليوم أو غداً، أو ما أكلتم ويناسب هذا قوله { وَمآ تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } لقريب أو بعيد من الزمان، كأن يخبر الرجل بما أكل فى غدائه ولم يعاينه، يقول للغلام فى المكتب: انطلق فقد أكل أهلك كذا وكذا، ورفعوا لك كذا، فينطلق، فيبكى عليهم حتى يعطوه، فيقولون من أخبرك؟ فيقول عيسى، فحبسوا صبيانهم عنه، وقالوا: لا تجالسوا هذا الساحر، وجمعوهم فى بيت وجاء عيسى يطلبهم، فقالوا: ليسوا هنا، قال: فما فى البيت؟ فقالوا: خنازير، قال: يكونون، ففتحوا فإذا هم كذلك، فهمَّ به بنوا إسرائيل، فهربت به أمه على حمار إلى مصر، ومسخهم ليس عقاباً لهم، لأنهم أطفال غير مكلفين، ويبعثهم الله على صورهم الآدمية، وبل عقاب لآبائهم، وقال قتادة: لما نزلت المائدة، كانوا يدخرون منها، وقد نهوا عن الادخار وأمروا بالأكل، فكان يخبرهم بما أكلوا وما ادخروا فمسخوا خنازير، وكل ذلك واقع، فدل ذلك على رسالته، لأنه يفعل ذلك بدعاء الله عز وجل، باسمه الأعظم، يا حى يا قيوم، لا بواسطة جنى بخيره، أو بكواكب، أو بحساب رمل { إنّ فِى ذَلِكَ } ما ذكر من المعجزات { لأَيَةً } على رسالتى، والجملة من كلام عيسى، أو على رسالته، والجملة من كلام الله عز وجل { لّكُمْ إن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ } مصدقين بها، انتفعتم بها وكل واحدة معجزة، لكن لما كان مدلولها واحداً، وهو رسالته، سماها آية، والمراد إن كنتم موفقين للإيمان عند الله، أو مستعدين بإعمال عقولكم فى النظر.