خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَٱتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ
١٥
-لقمان

تيسير التفسير

{ وإنْ جاهداك على أن تُشْرك بي } فى العبادة او الدعاء او ما اختص به { ما لَيسَ لَكَ به } الباء متعلق بقوله: { علِمٌ } وما واقعة على الشئ، او شئ مفعول به، او على اشراك او الاشراك مفعول مطلق، اى الاشراك الذي ليس لك به علم، او اشراكا ليس لك به علم، وليس ذلك مقيدا، فانه لا يرجو علم يبيح الاشراك، فنفى العلم بذلك نفى لوجوده على حد قوله تعالى: " { تدعون من دونه } " [الأعراف: 197، فاطر: 13] من شيء والعلم به غير شئ، فلا يتعلق العلم به، او على طريق نفى الشئ بنفى لازمه، فانه اذا لم يوجد معلوم لم يوجد علم، كقولك: لا اراك هنا، اى لا تكن هنا فضلا من اراك وقوله:

على لاحب لا يهتدى بمنارة

اى لا منار له فيهتدى به، او العلم به مفقود على فرض وجوده، فلا عبرة به، وإنما قدم به على علم، مع ان معمول المصدر لا يتقدمه، لانه ليس المعنى على انسباكه بالفعل، وحرف المصدر ليس المعنى ما ليس لك ان تعلم به، ويجوز تعليقه بلك او متعلقة على ان الباء بمعنى فى { فلا تطعهما } فى الاشراك، وكذا كل معصية لا طاعة لمخلوق فيها { وصاحبهما في الدنيا } فى حياتك وحياتهما، وعبر بالدنيا تلويحا بقصر عمر الدنيا كلها، فكيف بعضها، لا يثقل عليك الاحسان اليهما ولو مدة الدنيا، بل مدة باقيها او تلويحا بانصرام ايام الحياة، فلا يثقلان عليك، او احترز بذكر الدنيا عن الدين، فان المعتبر هو الدين، ولا بد منه، ولا يعتبر عليك منهما ما يخالفه { معْروفاً } مفعول مطلق، اى صحابا معروفا بكسر الصاد، وهو المصاحبة بالكرم والجود، والمروءة والاطعام والكسوة، عدم ما يضرهما كالانتهار، ونحو ذلك فى صحتها ومرضها، وما احسن قول بعض:

لأمك حق لو علمت كبير كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلة باتت بثقلك تشتكى لها من جواها أنة وزفير
وفى الوضع لو تدرى عليها مشقة فمن غصص لها الفؤاد يطير
وكم غسلت منك الاذى بيمينها وما حجرها الا لديك سرير
وتفديك عما تشتكيه بنفسها ومن ثديها شرب لديك نمير
وكم مرة جاءت واعطتك قوتها حنوا وإشفاقا وأنت صغير
وآها لذى عقل ويتبع الهوى وآها لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب فى عميم دعائها فأنت لما تدعو به لفقير

ولا يخفى ان حق الام اعظم لامثال هذه المشاق والصبر عليها، وعدم الملل به، وقيل ذكر الله تعالى: { وصاحبهما فى الدنيا معروفاً } مقابلة لقوله: { واتبع } فى الدين { سبيل من أنابَ إليَّ } رجع الى بالتوحيد والاخلاص فى العمل، لاسبيهما فى دعائهما لك للاشراك.
قال سعد بن ابى وقاص: كنت برا بأمى، واسلمت فقالت: لا آكل ولا اشرب حتى تكفر او اموت، فتعير بى يا قاتل امه، فلم تأكل يوما وليلة، فاجهدت، وروى ثلاث ليال فقلت لها: لا أكفر ولو كانت لك مائة نفس خرجت واحدة، بعد واحدة فكلى واشربى او اتركى ونزل فى: (وان جاهداك) الآية رواه الطبرانى وغيره.
{ ثم إليَّ مرجعُكُم } رجوعك ورجوعهما، قيل ورجوع من أناب الى، وفى ذلك خطاب بعد غيبة لتأكيد الزجر عن المخالفة { فأنَبئكُم بما كُنتْم تعْمَلون } من وفاء او تقصير، عبر عن الجزاء بالاخبار لا يخفى عن عملكم، فأنا اجازيكم بمقتضاه، وذكر بعض ان قوله: { ووصينا } الى هنا نزل فى سعد بن ابى وقاص، ولذلك افرد لان الصديق آمن فآمن سعد بسبب إسلامه، وقيل عن ابن عباس: إن من أناب هو الصديق، لما اسلم تبعه سعد، وعبدالرحمن بن عوف، وسعيد بن زيد، وعثمان، وطلحة، والزبير، وقيل من اناب محمد صلى الله عليه وسلم، والصحيح العموم.