خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَٱغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ ٱلأَصْوَاتِ لَصَوْتُ ٱلْحَمِيرِ
١٩
-لقمان

تيسير التفسير

{ واقْصِد في مَشْيك } توسط فيه لا تسرع الا لغرض صحيح، ولا تتباطأ كذلك، قال صلى الله عليه وسلم: "سرعة المشي تذهب بهاء المؤمن" اى هيبته وجماله، وذلك انه يعد ذلك منه خفة، ولو لم تكن فيه فيحتقر، وقد يتغير البدل بالسرعة فيزول بهاؤه، قال ابن مسعود: كانوا ينهون عن خبيب اليهود، ودبيب النصارى، وراى عمر رضى الله عنه رجلا متماوتا فقال: لا تمت علينا ديننا اماتك الله تعالى، وراى رجلا متطأطئ راسه فقال: ارفع راسك، فان الاسلام ليس بمريض، ورأت عائشة رضى الله عنها رجلا كاد يموت تخافتا فقالت: ما لهذا؟ فقيل: انه من القراء، فقالت: كان عمر رضى الله عنه سيد القراء، وكان اذا مشى اسرع، واذا قال اسمع واذا ضرب اوجع، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن الاسراع، ولو لادراك الامام، وقال: ما ادركت فصل وما فات فاستدركه.
{ واغْضُض مِن صَوْتك } انقض من صوتك الجهير: فتعدى بمن على التضمين والتأويل، ويتعدى ايضا بنفسه وهو الاصل، ومنه قوله تعالى:
" { يغضون أصواتهم } "[الحجرات: 3] فلا يبالغ فى الجهر الا لغرض صحيح، ومنه الاذان والانذار من العدو، ويقال رفع الصوت فى غاية الكرامة، ويروى ان كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله يعجبه ان يكون الرجل خفيض الصوت، ويكره ان يكون جهير الصوت، ويظهر ان المبالغة فى الجهر تشوه الوجه، فيذهب بهاؤه، وتركه اوفر للمتكلم، وابسط لنفس السامع وفهمه، والآية شاملة للعطاس، فان ما يسمع منه صوت فينبغى خفضه ما أمكن، كما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رفع الصوت بالعطاس، وذكر الغض بعد القصد فى المشى، لان يتوصل برفع الصوت اذا عجز عن التوصل الى المطلوب بالمشى، فليتوصل اليه بالمشى الا ما خيف فوته، او ما دعا اليه غرض صحيح.
{ إنَّ أنكر الأصْوات } لان انكر اصوات الحيوانات اسم تفضيل من المبنى للفاعل، كما هو شائع المقيس من معنى قولك: نكر الشئ بضم الكاف صعب، اى ان اصعب الاصوات على القلوب والاسماع، كما قال الله تعالى:
" { إلى شيء نكر } "[القمر: 6] والجهر يضر سمع السامع، واما ان قلنا: من نكر بالبناء للمفعول او من انكر كذلك بالهمزة بمعنى اقبح الاصوات فشاذ، حيث بنى من المبنى للمفعول، او من الرباعى المبنى ايضا للمفعول { لَصوت الحَمِير } اسم جمع كما قال السهيلى، لا جمع كما قال غيره، فرافع الصوت فى غير محل الرفع كالحمار فى القبح، ولا استعارة فى ذلك، وان اريد بصوت الحمير اصوات الرافعين لا صوت الحمير، كانت الاستعارة، اى انكر الاصوات اصوات هؤلاء الرافعين اصواتهم، وسماهم حميرا.
ومقتضى الظاهر ان انكر الاصوات لاصوات الحمير بجمعهما، او انكر الصوت لصوت الحمار بافرادهما، ولكن قال صوت الحمير اشارة الى ان اصوات الحمير كصوت واحد لقوة تشابهها، ولان المراد بيان صوت هذا الجنس، لا صوت كل فرد منه، وجمع الحمار مع هذا مبالغة فى التنفيرفان صوت حمر بمرة اشد قبحا، ولا يخفى ان المنكر صوت ذلك الجنس، ولو من فرد منه، والجملة من كلام لقمان، وقيل من كلام الله سبحانه وتعالى ردا على المشركين، اذ يتفاخرون بجهر الصوت، كما قال شاعرهم:

جهير الكلام جهير العطاس جهير الرواء جهير النعم
ويخطو على العم خطو الظليم ويعلو الرجال بخلق عمم

قال سفيان الثورى: صياح كل شئ تسبيح الا صوت الحمار، فانه يصيح لرؤية الشيطان، وكثيرا ما يرى يصيح عند رؤية حمار ولعل مع الحمار الذى يرى شيطانا او تارة لحمار وتارة لشيطان.