خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَابٍ مُّنِيرٍ
٢٠
-لقمان

تيسير التفسير

{ ألم تَروْا أن الله سخَّر لَكم ما في السَّماوات وما في الأرض } رجوع الى خطاب المشركين على اصرارهم بعد ذكر وعظ لقمان، والتسخير التسهيل، والادلال لشئ الى المطلوب سواء كان الشئ حيا يمكن امتناعه ام لا كالحيوانات والملائكة النافعين بسوق المطر مثلا والمعادن، والشمس والقمر والنجوم، والرياح والليل والقمر { وأسْبغ } اوسع { عليكم } لكم او أكثر نعمه حتى صارت كالشئ المستعلى فوقنا بعد التجلل من جوانبنا { نِعَمه } ما أنعم عليكم به، والمفرد نعمة، واصله المعنى المصدرى، وهو التلذذ، واطلق اسم المسبب على المسبب، فان ما انعم به علينا سبب للتلذذ والنعمة، بمعنى ما انعم به هى شئ ينتفع به، ويستلذ ولم اقل امر ينتفع به، ليشمل الشئ ما هو جسم، والامر لا يشمله الامجازا، ولم ارد تحمد عاقبته كما زاده بعض، لان ما ينتفع به نعمة، سواء حمدت عاقبته بان شكرت مثلا ولم تضر او لم تحمد بان كانت تضر بعد، او كفرت فالماء او اللبن المستلذ نعمة، ولو كان يتضرر به بدن شاربه.
والنعمة التى لم تشكر يعاقب عليها، ولا يخرجها العقاب عن كونها نعمة، وانما ذلك امر شرعى فالكفار منعم عليهم كما هو نصوص القرآن ومن اشترط ان تكون العاقبة محمودة قال: هم غير منعم عليهم، وهو خطأ، وقال بعض: النعمة المنفعة المفعولة على جهة الاحسان الى الغير وقال بعض: المنفعة الحسنة المفعولة على جهة الاحسان الى الغير، قال بعض المحققين: الاولى اسقاط لفظ الحسنة، لجواز ان يستحق الشكر بالاحسان، وان كان فعله محظورا لان جهة الشكر كونه احسانا، وجهله الذم والعقاب الحظر، فالفاسق يستحق الشكر لاحسانه، والذم لمعصية الله تعالى.
{ ظاهِرةً } محسوسة معروفة كقوة البدن، وكالأموال والأولاد، وظهور الاسلام، والنصر على الاعداء، وحسن الصورة، وامتداد القامة، وتسوية الاعضاء، والسمع والبصر، وغير ذلك من نعم الدنيا { وباطِنةً } كالامداد من الملائكة، ومعرفة الله تعالى، والقلب والعقل والفهم، ونعم الآخرة، وقيل: الظاهرة ارسال الرسل وانزال الكتب، والتوفيق للاسلام، والثبات عليه، والباطنة ما اصاب الارواح فى عالم الذر من النور، وعن على: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"الظاهرة ما سوى من خلقك، والباطنة ما ستر من عورتك" .
والمراد التمثيل، كما يدل له ما فى البيهقى، عن ابن عباس، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "الظاهرة الاسلام وما سوى من خلقك ورزقه، والباطنة ما ستر من مساوئ عملك" والمراد أيضا التمثيل، ومعنى قوله: ما ستر من مساوئ عملك ستر ما ستر من مساوئه، او ما مصدرية اى ستره من مساوئه، اى الواقع منها، ويدل لهذا ما فيه من طريق مقاتل الظاهرة الاسلام، والباطنة ستر المعاصى، وفى رواية: اما ما بطن فستر مساوئ عملك، وفى دعاء موسى عليه السلام: الهى دلنى على اخفى نعمك، فقال تعالى: اخفاها النفس، وقيل: اخفاها تخفيف الشرائع، واكثار الثواب، وصرف البلاء، وقبول الخلق، ورضا الرب.
{ ومن النَّاس مَن يُجادل في الله } فى شأن الله عز وجل من وحدانية وقدرة على البعث وغيره، ينكرون ذلك على الرسول عليه الصلاة والسلام، كالنضر بن الحارث، وأبى بن خلف، والجدال الكلام على طريق المغالبة من معنى الجدال الذى هو المطارحة على الجدالة، وهى الارض، وإذا غلبه بالكلام فكأنه طرحه على الارض، او من معنى الجدال الذي هو المغالبة فى احكم حبله بالفتل، فكل منهما يريد ان يكون اشد احكاما لحبله، وكل من المتغالين بالكلام يريد ان يكون كلامه اثبت من كلام الاخر، واظهر لفظ الجلالة مع تقدمه وتقدم الاضمار له، تهويلا لامر الجدال فيه تعالى.
{ بغْير علمٍ } بدليل عقلى { ولا هُدىً } ولا دليل شرعى من رسول { ولا كتاب منيرٍ } واضح الدلالة، منقذ من ظلمة الجهل، بل يجادلون بمجرد ما يشتهون، وبمجرد التقليد.