خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَلَوْ أَنَّمَا فِي ٱلأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَٱلْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
٢٧
مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
٢٨
-لقمان

تيسير التفسير

{ ولو أنَّمَا في الأرض من شَجَرة أقلام } المصدر فاعل لثبت محذوفا وهو مصدر من خارج، اذ ليس فى خبر ان، بل يجاء بالكون او بالنسب المفيد معنى الكون من خبرها، اى لو ثبت كون ما فى الارض اقلاما، وأقلاما خبر الكون فى التأويل، وخبر ان قبل التأويل، او لو ثبتت قلمية ما فى الارض، وذلك انه لا بد للمؤمن فعل، ولا بد من التأويل بالمصدر مع ان المفتوحة، وقال سيبويه: لا يقدر الفعل المصدر مبتدأ بلا خبر: او وجود المسند اليه قبل التأويل، وقدر بعضهم خبره قبله، وبعض بعده، وفى الآية مجئ خبر ان بعد لو اسما كقوله:

ولو انها عصفورة لحسبتها مسومة تدعو عبيدا وأزنما

وقوله:

ما أطيب العيش لو ان الفتى حجر تنبو الحوادث عنه وهو ملموم

لا كما قال الزمخشرى: من منع ذلك غفلة منه اذ لم يقل: انما يكون الخبر بعدها اسما جاهدا، او فعلا لا اسما مشتقا فلا يجاب عنه بانه اراد لا يكون فعلا اذا لم يكن اسما مشتقا، ثم انه اذا لم فعلا فهب انه اسم جامد او مشتق، ومن معلق بمحذوف حال من المستتر فى قوله: فى الارض، وشجرة نكرة عامة فى الاثبات، كقوله تعالى: " { علمت نفس } "[التكوير: 14، الإنفطار: 15] ومن الجائز تقدير مضاف عام فى ذلك ونحوه، اى علمت كل نفس، ومن كل شجرة واسم الشرط يعم: مع انه نكرة فى الاثبات لشبهه بالنفى، وهنا قوى جانب العموم بلو، لانها حرف شرط، وحكمة افراد شجرة وتنكيرها دفع ما يتوهم لو جمعت من التوزيع، بان كل شجرة على حدة قلم، ليس ذلك مرادا، بل المراد ان كل عود من كل شجرة ولو دق قلم، والعود الغليظ او الطويل تكون منه اقلام متعددة، كاقلام التى عهدناها مع انها يقدر لها البرى الى حد ما يمكن ايضا.
{ والبَحْر } المحيط، وأل للعهد لانه المتبادر، والفرد الكامل، واجيز ارادة الجنس او الاستغراق والعهد، او الاستغراق اولى من الجنس، وذلك ان اريد الجنس جاز ان يراد غير المحيط والمقام للمبالغة { يمدُّه } يصير مدادا لما فى الدنيا من الاشجار الواقع كل عود منها قلما على حد ما ذكرت آنفا، والمد الزيادة اى تضم الى الاقلام، ومد الدواة زاد فيها ما يكتب به من المداد الاسود او الاحمر او الاخضر او غير ذلك، وجملة البحر يمده حال من المستتر فى قوله: { في الأرض } ولو فصل بينهما { من بَعْده سَبْعة أبْحر } حال من المستتر فى يمد، والمراد بسبعة أبحر: مفروضة كل واحد كالمحيط، او كل واحد كالبحور الموجودة كلها، على جعل أل للاستغراق.
روى الطبرانى، وابن المنذر، عن ابن عباس: انه خلق الله تعالى من وراء هذه الارض بحرا محيطا بها، ومن وراء ذلك جبلا محيطا بها يقال له قاف، وخلق من وراء ذلك الجبل ارضا مثل تلك الارض سبع مرات، خلق من وراء بحرا محيطا بها، ثم خلق وراء ذلك جبلا يقال له قاف السماء مترفرفة عليه، حتى عد سبع ارضين، وسبعة ابحر، وسبعة اجبل، وذلك قوله تعالى: { والبحر يمده من بعده سبعة أبحر } والله اعلم بصحة ذلك، والله تعالى قادر على ما لا يحصى من ذلك، وهب انه ذكره كعب الاحبار رضى الله عنه، لكن لعله اخذه من كتب الاسرائليين، وهو فى نفسه ثقة، ويبحث بانه اذا كان ثقة لم يرو الا ما صح، فيجاب بانه رواه ظانا انه صحيح، مع انه ليس مما يقطع فيه العذر.
والمراد بالسبعة تكثير العدد ولو آلاف بحر من بعده، وخصت لانها عدد تام كما ذكرته فى سورة البقرة، وشرح القلصادى وكثير من المعدودات التى لها شأن، سبع كسبع سموات، وسبع ارضين، والكواكب السيارة، والاقاليم والايام، ومقتضى الظاهر، والبحر مداد بنصب البحر كما قال: { أنَّ ما في الأرض من شجرة أقلام } لكن قال: { والبحر يمده } لان يمده يغنى عن ذكر المداد ويزيد عليه بالاستمرار التجددى تصريحا، كما هو المراد بصيغة المضارع، اى لا يزال يصب فيه، وليس هذا فى لفظ مداد.
{ ما نَفِدَت } انقضت { كلمات الله } معلوماته ان كتبت بتلك الاقلام وتلك البحور، وحذف هذا الشرط، وان شئت فقدر من بعده سبعة أبحر، وكتب بتلك الاقلام، وبذلك المداد كلمات الله ما نفدت كلمات الله او علمه، قالت اليهود بعد هجرته صلى الله عليه وسلم، على ان الآية مدنية او امروا قريشا بالقول: تزعم يا محمد انا لم لم نؤت من العلم إلا قليلاً
" { قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً } " [الإسراء: 85] وقد اوتينا التوراة وهى الحكمة " { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } " [البقرة: 269] فنزل: { ولو أنما في الأرض من شجرة } الخ، فكثيركم قليل بالنسبة الى سعة علمه تعالى.
وروى انهم قالوا: من عنيت بقولك:
" { وما أوتيتم من العلم إلاَّ قليلاً } "[الإسراء: 85] إيانا او قومك؟ فقال: { كلاَّ عنيت } فقالوا: ألست تتلوا انا اوتينا التوراة وفيها علم كل شئ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "هي في علم الله قليل" فقالوا: ألست تعلو: " { ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً } "[البقرة: 269]؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا علم قليل وخير كثير" فأنزل الله تبارك وتعالى: { ولو أن ما في الأرض }الخ، وروى ان المشركين قالوا: ان هذا كلام يوشك ان ينفد، فأنزل الله: (ولو أن ما الأرض) وقيل: كلماته مقدوراته من اطلاق اسم السبب على المسبب، إذ يقول لشئ: كن فيكون، واختار كلمات وهو جمع قلة على كلم الله، وهو جمع كثرة تلويحا بان كلماته لا تفى بها البحار والشجر فكيف بكلمة { إنَّ الله عزيزٌ حَكيمٌ ما خلقكم ولا بعْثَكُم إلاَّ كنَفس واحدة } وكذا الخلق كله فى السهولة لكمال قدرته، وعدم احتياجه الى آلة او كسب { إنَّ الله سَميعٌ } عليم بكل صوت { بَصيرٌ } عليم بكل شئ من المبصرات، او بكل شئ، وقد علم قريش ذلك، وانما كانوا يقولون اذا أرادو الطعن فى الدين: اسروا قولكم لئلا يسمع إله محمد حمقا وعنادا، وفيه نزل: " { وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور } " [الملك: 13] وقيل: نزلت الآية فى أبى بن خلف ونبيه ومنبه ابنى الحجاج وغيرهم من قريش اذ قالوا: ان الله خلقنا نطفا وعلقا ومضغا، فكيف يبعثنا خلقا جديدا فى ساعة واحدة.