خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ
٦
وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِيۤ أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
٧
-لقمان

تيسير التفسير

{ ومِن النَّاس } من للتبعيض، وجعل بعضهم من التبعيضية اسما مضافا لما بعدها { من يشتري لهَو الحَديث ليُضِلَّ } غيره { عَن سبيل اللهِ } اى دين الله، اى يثبته فى الضلال، سواء كان فيه من قبل، او يجره اليه والعطف على ما قبل، كأنه قيل من الناس مهتد هاد، ومنهم ضال مضل، واللام للتعليل لا للعاقبة، ولهو الحديث ما اشغل عن عبادة الله تعالى من التحدث ليلا او نهارا بما ليس طاعة، ولا لفائدة مباحة، ومن الاضاحيك والخرافات والغناء ونحو ذلك، والنميمة والغيبة اذا لهى بهما تكفها، وكالكلام فى المسجد، قال صلى الله عليه وسلم: "الكلام في المسجد، أي بغير ما لا بد منه ولا عبادة، يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب اليابس" ويروى كما تأكل الدابة الحشيش.
وعن الضحاك لهو الحديث: الشرك، وقيل السحر، ولا يحسن هذان التفسيران، والاخر ابعد، والاشتراء الاختيار والاستبدال عن القرآن، والذكر على سبيل الاستعارة، وقيل الشراء حقيقة يشترى بماله عبدا يغنى له، او امة آلة الغناء، او يعطى الاجرة لمن يغنى، اى يشترى آله لهو، وهى الامة او البعد او المزمار، ولا يمنع من كون الانسان آلة، فصاحب الامة مثلا يتوصل بها الى حصول الغناء.
روى ان النضر بن الحارث مغنية، وكل من اراد الاسلام اتاها به، وقال: غنى له واطعميه واسقيه، وقال له: هذا خير لك من الصلاة والصوم والقتال بين يدى محمد صلى الله عليه وسلم، وكان يسافر الى فارس فيشترى كتب اخبار العجم، فيحدث بها قريشا، ويقول: محمد يحدثكم عن عاد وثمود، واذا احدثكم بحديث رستم واسفنديار، والأكاسرة فيميلون اليه عن استماع القرآن، واشترى ابن اخطل جارية تغنى بالسب، فنزلت الاية فيهما وفي امثالهما، والجمع فى اولئك لهم عذاب مهين مناسب لتلك الجماعة، بل لا ينافى فى الافراد كالنضر وحده او كابن اخطل وحده، لان الله تعالى يشير فى القرآن الى النوع، ولو لم يكن إلا فرد واحد منه، وايضا لذلك الفرد جماعة تقبل قوله، فهم مثله.
وفى مسند البيهقى، عن ابن مسعود اذا ركب الرجل الدابة ولم يسم، ردفه شيطان فقال: تغنه، وان لم يحسن قال: تمنه، وسأل رجل القاسم بن محمد عن الغناء اهو حرام؟ فقال: انظر يا اخى اذا ميز الله تعالى الحق والباطل فى ايهما يكون، وعنه: "لعن الله المغنى والمغنى له" وفى مسند ابى داود، عن ابن مسعود، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل" .
وروى ابن ابى الدنيا، وابن مردويه، عن ابى امامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رفع أحد صوته بغناء إلاَّ بعث الله إليه شيطانين يجلسان على منكبيه يضربان باعقابهما على صدره حتى يمسك" وروى ابن ماجه، والترمذى، والطبرى، والطبرانى، عن ابى امامة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلمونهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام" ومثله عن عائشة، وفى رواية الاستماع اليهن حرام، وما لا يجوز يحرم الاستماع اليه وعن ابن مسعود: "والله ان لو الحديث هو الغناء" قال ثلاثا، وعن مكحول: من اشترى امة للغناء ومات لم اصل عليه وقد يجوز للانسان ان يغنى بشعر وحده لازالة الوحشة، قال عمر: اذا خلونا قلنا ما يقول الناس وقد تغنى بقوله:

وكيف ثوائى بالمدينة بعد ما قضى وطرا منها جميل بن معمر

وهذا لغيره: وقيل اراد به جميل الجمحى، وكان خاصا به، وعنه صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يغتن بالقرآن" ومن معانى هذا: من لم يستغن بالقرآن عن غيره { بغَيْر عِلْمٍ } مع غير علم حال من الضمير فى يشترى، او متعلق يشترى، اى بغير علم بحال ما يشتريه انه لا ينفعه بل يضره، او بغير علم بطريق التجر اذ باع نافعا بضر، الهدى والضلال، او متعلق بيضل، اى جاهلا أن ما يدعو اليه رسول الله صلى عليه وسلم هو سبيل الله عز وجل، او جاهلا انه يضل، او جاهلا للحق { ويتخذها } اى السبيل عطف على يشترى { هُزوا } مهزوءا بها، والسبيل يذكر ويؤنث، { أولئكَ لَهُم عذابٌ مُهينٌ } لهم لأجل اتصافهم باهانة الحق، وترغيب الناس فى خلافه، وإشارة البعد لبعد مرتبتهم فى الضلال، والجمع باعبتار معنى من بعد اعتبار لفظها بالافراد، واعتبر لفظها فى قوله تعالى:
{ وإذا تُتْلى عليْه آياتنا } روعى لفظها، ثم معناها، ثم لفظها، كقوله تعالى فى سورة الطلاق:
" { ومن يؤمن بالله } " [الطلاق: 11] الخ { ولَّى } اعرض عنها { مسْتكبراً } متكبر جدا { كأن } اى كأنه، اى ذلك المستكبر، او كأنه اى الشأن، وقيل جوز ان لا يقدر ضمير { لم يَسْمعها } جملة كأن لم يسمعها حال من المستتر فى ولى، او فى مستكبرا، او مستأنفة عاب الله عليه لِمَ لَمْ يتأثر بسماعها، مع عظم شأنها فى التأثير، او اراد مطلق التشبيه.
{ كأن فى أذنيه وقر } صمما مانعا من السمع، وذلك حقيقة بالشيوع، واصله الحل الثقيل، او فسره بثقل السمع لا بانتفائه البتة، والأول اولى، لان كفرهم كلى، والجملة حال بعد حال مما مر، او حال من المستتر فى يسمع، او مسأنفة لا يدل كل من كل من قوله: { كأن لم يسمعها } ولا عطف بيان له، لان انتفاء السمع ليس هو ثبوت الصمم فى اذنيه، بل لازمه ومسببه، فيصبح ان يكون بدل اشتمال، والجملتان على الترقى فى البعد عن القبول، وشددت كأن فى الثانية للمناسبة لهذا الترقى، ولمناسبة التشديد لثقل الوفر فى معناه { فبشره بعذابٍ أليمٍ } مفرط فى الايلام، تبشيرا تهكميا.