خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نَكَحْتُمُ ٱلْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً
٤٩
-الأحزاب

تيسير التفسير

{ يا أيُّها الَّذين آمنُوا إذا نكحْتُم المؤمنات } أو الكتابيات، واقتصرت الآية على المؤمنات، لأنهن أليق بالنكاح، وأشرف، أى إذا تزوجتموهن، وهكذا النكاح فى الشرع التزوج، وهو العقد، والنكاح هو حقيقة لغوية فى العقد، وقيل: فى الوطء، وقيل مشترك بينهما اشتراكا معنويا، فان فى كل من العقد والوطء الضم، وقيل: لفظيا، وأصله الجمع والضم، وحقيقة شرعية فى العقد، ولم يجىء فى القرآن إلا بمعنى العقد، وأما قوله تعالى: " { حتى تنكح زوجا غيره } " [البقرة: 230] فقيل: بمعنى العقد، وبينت السنة أنه لا بد معه من الوطء، وقيل: هو بمعنى الوطء ومن كلام فيه.
{ ثم طلَّقْتموهنَّ } ثم للترتيب الذكرى، فيشمل الطلاق ولو عقب العقد، وإن شئت فللترتيب الرتبى، فان الطلاق مناف للتزوج، لأنه للوصلة والحب، والأنس والألفة والنفع، والطلاق عكس ذلك، وقطع للنسل، قال صلى الله عليه وسلم:
"أبغض الحلال إلى الله الطلاق" رواه ابن ماجه، وأبو داود، عن عبد الله بن عمرو فى رواية لأبى داود: "ما أحل الله شيئا أبغض اليه من الطلاق" وهو مكروه، بل قيل: ممنوع، وإن وقع صح إلا لداع، فلا كراهة مثل أن تكرهه مطلقاً، أو لعدم قدرته على الوطء، وإن ادعت مسا ونفاه حلف ما مس، وأعطى نصف الصداق، ولا تتزوج إلا بعد العدة، وإن ادعت انتفاء، وادعى الثبوت، أو اتفقا على النفى، فلها النصف ولا تتزوج إلا بعد العدة، وعلى ذلك يفسر قوله تعالى: { من قَبْل أن تمسُّوهنَّ } كناية عن الوطء، ونزل بعض نظر فرجها، وعدم غيوب الحشفة منزلة المس، وشهر فى الفروع أنه إذا أمكن المس، حكم به فى شأن الصداق.
{ فما لكُم عليهنَّ من عدَّة تعْتدُّونها } مطاوع عد، اى تستوفونها موجودة تامة، أو بمعنى الثلاثى، والآية نص فى أن العدة حق للرجل، بمعنى أنه لا تفوته رجعتها إن أرادها، وبقاء حرمته عليها، وإذا لم تكن رجعة فبقاء هذه الحرمة، وإذا رضيا معاً أن تعتد فى غير بيته جاز، وإن مسها وطلقها وراجعها، أو تزوجها بدل الرجعة، أو تزوجها فى عدة البائن الذى تصح فيه الرجعة، وطلقها قبل المس من الرجعة أو النكاح الثانى، أتمت العدة الأولى عند بعض، وقيل: تستأنف من الثانى، والظاهر بناءها على ما مضى فى مسألة الرجعة والاستئناف فى مسألة التزوج الثانى، ولها نصف الصداق الثانى إن لم يمسها فيه.
{ فمتِّعوهنَّ } أعطوهن شيئاً يتمتعن به، وذلك مقيد بعد الفرض، فإن المفروض لها نصف ما فرض، دليل آية البقرة، والذى يتمتعن به قميص وخمار وملحفه، وهى ما تستر به رأسها وقدميها وما بينهما، وعلى الموسع قدره فى تجويد ذلك، وعلى المقتر قدره فى الرداء، فالمتوسط بين ذلك وذلك أدنى ما تخرج به إذا خرجت، وينبغى أن يعتبر العرف، وحال الزوج فى المال، وقالوا: هى أقل من نصف صداق المثل، ولا تنقص عن خمسة دراهم، والامر للوجوب، واستحب بعضهم المتعة ولو للمفروض لها، والممسوسة، التى لم يفرض لها زيادة على صداق المثل، وذكروا عن الحسن: أن لكل مطلقة متعة دخل بها أو لم يدخل، فرض لها أو لم يفرض، الفاء عاطفة على الجواب عطف إنشاء على إخبار هو فى معنى الطلب، فان معنى "مالكم عليهن" إلخ لا تطالبوهن بعدة، أو فى جواب شرط مقدر إذا عرفتم ذلك أو إذا كان الأمر ذلك فمتعوهن.
{ وسَرِّحوهنَّ } أخرجوهن من منازلكم، لأنهن لسن بأزواج لكم. ولا محارم تستريحوا من فتنة الانكشاف والسماع، وأصل التسريح إرعاء الإبل السرح، وهو شجر مخصوص له ثمار، ثم استعمل للرعى مطقا، ثم لكل إرسال { سراحاً } تسريحاً { جَميلاً } بكلام طيب، وبلا منع من واجب، قيل: ولا مطالبة بحق عليها ونحو ذلك مما يجب عليه، أو يستحب وفيه استعمال الأمر فى الوجوب وغيره، قلت: الأولى حمله على أداء الواجب لها، وعلى عدم منع ما وجب لها، وعلى الكلام الطيب، وعدم تعييرها وتنقيصها الى الناس.