خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَنِ ٱعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي ٱلسَّرْدِ وَٱعْمَلُواْ صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ
١١
-سبأ

تيسير التفسير

{ أن اعْمَل سابغات } دروعا سابغات، أى واسعات، وادعى بعض المحققين أن السابغات اسم لتلك الدروع بلا تقدير موصوف، وأن مفسرة لقوله: " { ألنَّا } "[سبأ: 10] لتضمنه معنى القول دون حروفه، كقولك: وضعت لزيد الطعام أن كل، لما كانت الإلانة ظاهرة له عليه السلام فى عمل السلاح، وهو فى معرض القتال، والله حكيم صار بمنزلة قلنا له: اعمل لا مصدرية، إذ لا خارج للأمر يؤخذ منه المصدر، ولو قالوا ما قالوا، والاعتذار عن الذنب أشد من الذنب.
{ وقَدِّر } وسط واقتصد { في السَّرد } نسج الحديد بعض ببعض، استعارة من نسج الثوب، وقيل اتباع شىء بمثله من جنسه، وأنه حقيقة أى اجعل حلق الدروع متناسبة على مقدار معين دقة أو غلظة، أو متناسبة بين الضيق وغيره، لئلا ينال السلاح من الواسعة، ولا تثقل شدة الضيق وكانت الدرع قبل داود صفائح، وقيل: معنى تقدير السرد عدم صرف أوقاته فى عمل الدروع، بل مقدار القوت، وما فضل عن القوت، فاعمل فيه العبادة، وقيل لا تجعل مسامير حلق الدرع رقاقا فتفلت، ولا غلاظا فتكسر الحلق.
وكان يسأل الناسر متنكرا عن حال داود ليجتنب ما يعاب، فيثنون خيرا، فأرسل الله اليه ملكا فسأله فقال: نعم العبد لولا أنه يأكل من بيت المال لا من كسبه، فسأل الله مكسباً، فألان الله تعالى له الحديد يعمل الدرع فى بعض يوم، أو بعض ليل، وثمنها ألف درهم، وقيل أربعة آلاف يصرف ثلث ثمنها فى مصالح الاسلام، ويطعم المساكين، ويروى أنه يبيع الدرع بستة آلاف درهم، ألفان له ولأهله، وأربعة آلاف يطعم بها بنى اسرائيل الخبز الحوارى، ويروى يتصدق على الفقراء.
{ واعْملُوا صالحاً } خطاب لداود وآله، ولو لم يجر لهم ذكر لدلالة ذكره عليهم، أو خطاب لهم كقوله تعالى:
" { اعملوا آل داود شكراً } "[سبأ: 13] أو خطاب له بصيغة الجماعة تعظيما، والعطف على اعمل سابغات، فالجملة داخلة فى التفسير، وما للنبى من المنة منة لأمته، ولو اختص بها عنهم، والانه الحديد له تشير الى أن يعملوا صالحا، إذ يجاهدون بالدروع، والمراد بعمل الصالح عمل العبادات مطلقا لا خصوص عمل الدرع خالية عن عيب، كما يقال فيخص بداود عليه السلام { إنِّي بما تَعْملون بَصيرٌ } فأجازيكم عليه، وذلك تعليل للأمر فى قوله: { واعملوا صالحا } لا لوجوب الأمر، كما قال بعض المحققين لأنه لم يخبرنا أن الأمر واجب.