خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلاَئِكَةِ رُسُلاً أُوْلِيۤ أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَآءُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
١
-فاطر

تيسير التفسير

{ الحمْدُ للهِ فَاطِر السَّمَاواتِ والأرْض } الفاطر الموجد، تخاصم أعرابيان عند ابن عباس على بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها، قال ابن عباس: علمت به معنى فاطر السموات والأرض، ولا أعلمه قبل، رواه البيهقى، وذلك على الإطلاق، وهو إيجاد الشىء على صفة يترشح بها لفعل من الأفعال، وقيل: أصله الشق، وقيل: الشق طولا، ثم تجوز به الى الإنشاء مطلقا، ثم صار حقيقة، ولا يشترط أن يكون على غير احتداء مثال، بدليل كلام الأعرابى، وكونه الآية على غير احتداء مثال من خارج لا بالوضع، ومطاوع الفطر انفطر كقوله تعالى: " { إذا السماء انفطرت } " [الانفطار: 1].
ويتعد إبقاؤه على أصله، بأن يكون المعنى شق السماوات يوم القيامة لنزول الأرواح والملائكة، وقبله بنزول الأمطار والأرض بالنبات فى الدنيا، وعن الموتى بالبعث يوم القيامة، وفاطر نعت لله وهو معرفة لإضافته للمعرفة، وإضافته محضة، لأنه بمعنى الماضى على معنى خالق، إذ لا مفعول له، لأنه لا ينصب المفعول فضلا عن أن يقال: إنها لفظية، وإنه فى نية التنوين، وإن ما بعده فى نية النصب على المفعولية، أو لأنه على معنى من شأنه الفطر، كقولك: جاء مالك العبيد، تقول: مَن مِن شانه أن يملكهم، ولم ترد أنه قد مالكهم أو يملكهم، ولو كان قد ملكهم، وبهذا الوجه يقال فى معنى شاق السماوات، وان أريد خصوص الشق الآتى أو الماضى فهو للمضى تقديرا أو تحقيقا وأجيز أن يكون بدلا، وقالوا: البدل بالمشتق ضعيف، وتعليق الحكم بالنعت المشتق، أو البدل المشتق يؤذن بالعلية، كأنه قيل: الله أهل للحمد لفطره، تقول: أقطع عمراً السارق اى أقطعه لسرقته، ومثل ذلك كله فى قوله:
{ جاعل الملائكة رُسُلاً } الى الأنبياء بالوحى، والى الخلق مطلقا بالأمطار والرياح، وبتلقى المؤمنين بالخير يوم القيامة { أولى } أصحاب نعت لرسلا { أجْنحَةٍ } يطيرون بها من جنس أبدانهم، لا من شعر أو نحوه، وهذا جمع قلة استعمل للكثرة، ويجوز إبقاؤه على القلة باعتبار كل ذلك على حدة، واعتبار الغالب، فلا يشكل أن من الملائكة من كثرت أجنحته { مَثْنى وثُلاثَ ورُباع } نعوت لأجنحة، فتقدر الفتحة فى الأول نائبة عن الكسرة، ومنع الصرف للوصفية والعدل عن اثنين اثنين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، وزعم بعض أنه للعدل الى غير صيغ هذه الأعداد، والعدل الى عدم التكرير.
{ يَزيدُ في الخَلْق ما يشاءُ } يزيد للملائكة أجنحة على أربعة، وكما يزيد فى أبدانهم وصفاتهم وأفعالهم، زادهم الله قوة، ويزيد بخلق ملائكة لم توجد، ويحدث ما شاء من المعدومات حيوان وجماد، وصفات وأفعال، وأجزاء، والخلق الحسن، وملاحة العينين والصوت الحسن، والخط الحسن، والجمال والعقل والعلم، والصنعة وغير ذلك من الاعراض والأجسام والقبح، والأشياء القبيحة، ومن أفرد شيئا من ذلك فتحجير للواسع، ولا نقبله، أو أرد التمثيل، وكل شىء من الله عز وجل حسن.
روى البخارى ومسلم فى قوله تعالى:
" { لقد رأى من آيات ربه الكبرى } "[النجم: 18] أنه رأى جبريل له ستمائة جناح، وعن عائشة رضى الله عنها رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته مرتين له ستمائة جناح، سعتها الأفق: مرة عند سدرة المنتهى، ومرة فى أجياد، ومن الملائكة طائفة لهم ستة أجنحة: جناحان يلفون بهما أجسادهم، وجناحان يطيرون بهما الى حيث شاء الله عز وجل، وجناحان مرخيان على وجوههم حياء من الله سبحانه، والملائكة أجسام نورانية لطيفة، تتشكل بما تشاء أو يشاء الله عز وجل، حتى أن جبريل عليه السلام يصير كالوصع وهو طائر صغير { إنَّ الله عَلى كُلّ شيء قَديرٌ } تعليل جملى، كأنه قيل: لا يعجز عن زيادة ما يشاء، لأنه على كل شىء قدير.