خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
٨
-فاطر

تيسير التفسير

{ أفمن زُيِّن لهُ سُوء عَمَله } أى عمل الشيطان، أو عمل نفسه، زين الشيطان والهوى له المعاصى، فكانت عملا له { فرآه حَسَناً } الهمزة لإنكار مساواة من حسن عمله، والفاء للعطف على محذوف، أى أيجوز ترك التدبر، فمن زين الخ، أو داخلة على جواب شرط مقدر، والهمزة مما بعدها والتقدير اذا علمتم ذلك، أفمن زين، وخبر المبتدأ وهو من الموصولة أو الشرطية محذوف تقديره مع ما عطف عليه محذوفا { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } ومن استقبحه وعمل الصالحات متساويان، أو يقدر بلا عطف، أى كمن استقبحه واجتنبه، أو يقدر المحذوف بالفاء على الشرطية، وكذا اذا قدرنا كمن هداه الله لدلالة قوله عز وجل: { ويهدي من يشاء } وكذا الحذف فى قوله جل وعز: " { أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه } " [هود: 17] وقد ذكر الخبر فى قوله تعالى: " { أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله } " [محمد: 14] وقوله عز وجل: " { أفمن يعلم أنما أنزل } " [الرعد: 19] إلخ، وقوله سبحانه: " { أو من كان ميتا } "[الأنعام: 122] الخ وسوء عمله بمعنى فتح عمله.
وقيل: من اضافة الصفة الى الموصوف، والتحقيق أن خبر المبتدأ الشرطين هو جملة جوابه لا جملة الشرط اذا تمت به الفائدة، ولا نترك ما هو ظاهر الى غير الظاهر لتكلف، ومن يزعم انه جملة الشرط ناقض قوله بقوله: إن الفاء تزاد فى خبر الموصول تشبيها بالشرطى، وعلل سببة التزيين لرؤية القبيح حسنا بقوله: { فإنَّ الله يُضلُّ من يَشاء } مثل من كفر برسول الله صلى الله عليه وسلم { ويَهْدى من يَشَاء } مثل من آمن به صلى الله عليه وسلم، ولا عجب فى اتباع العاقل عدوه فى تزيينه، لأنهم لا يدرون أن الشيطان عدوهم، ولأن هواهم من أنفسهم معين، وهم كمن سلب عقله بشدة التزين وزخرفته، حتى أنه قال: { أفمن زين } ولم يقل الكافر، وذلك كله بخلق الله ذلك، وإيقاعه كما قال معللا: { فإن الله يضل } الخ أى لأن الله يضل الخ فلا قدرة لك على أن تسلك الضال فى زمرة المهتدى.
{ فَلا تَذْهبْ } تتلف { نفسُك } روحك أو بدونك كله { عليْهِم حَسَرات } عطف انشاء على اخبار وتفريغ عليه، ولا حاجة الى جعله جواب شرط، أى اذا كان الأمر كذلك فلا تذهب، ولا الى دعوى التقديم والتأخير، وأن التقدير أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا، جوابا لقوله عز وجل: "أفمن زين له" فإذا كان جوابك لا فلا تذهب نفسك عليهم حسرات لأن الله يضل الخ، ولا دليل على ذلك، وليس كل ما صح فى نفس الأمر يقدر تفسير للقرآن، والحسرة الغم والندم على ما فات، كأنه انحسر عنه حمله على ما ارتكبه، أو انحسرت قوته لشدة غم، أو أدركه عياء عن تدارك ما صدر منه، وعليهم بمعنى لأجلهم، وحسرات حال مبالغة كأنها نفس الحسرات، أو يقدر ذات حسرات أو حاسرات، أو يتعلق بحسرات، ولو كان جمع مصدر، لأن هذا المصدر ليس هنا على معنى حرف المصدر والفعل، ولتوسعهم فى الظروف واذا علق بحسرات وليس تعليلا صح جعل حسرات مفعولا من أجله اذ لا يتكرر المفعول من أجله بلا تبعية، ولا يصح تعليقه بتذهب الا على معنى التعليل.
وجمع حسرة للدلالة على الأنواع من تضاعف اغتمامه صلى الله عليه وسلم بقوله: { إنَّ الله } أى لأن الله { عَليمٌ بما يْصنَعون } فيعاقبهم، وقوله: { أفمن زين } الى: { يصنعون } آية واحدة نزلت فى أبى جهل، اذ أصر على كفره، وعمر رضى الله عليه اذ تاب وأسلم.