خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَٱلْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّىٰ عَادَ كَٱلعُرجُونِ ٱلْقَدِيمِ
٣٩
-يس

تيسير التفسير

{ والقَمَر قدَّرناه منازل } أى صيرنا محل سيرة بتقدير مضافين، ومنازل مفعول به ثان لقدر بمعنى صير، أو يقدر مضاف قبل منازل أى قدرناه ذا منازل، ويجوز أن يكون متعديا لواحد هو منازل، والهاء على تقدير اللام، أى قدرنا له، وقيل هو الهاء على حذف مضاف، ومنازل ظرف أى قدرنا سيره فى منازل، أو قدرنا نوره فى منازل، فيزيد مقدار النور فى كل يوم، ثم ينقص كذلك، لأن نوره من نور الشمس، بدليل اختلاف تشكلاته بالقرب والبعد منها، وخسوف بحلولية الأرض بينهما اذا حاد مجراه، ولا ينبغى أن يختف فى ذلك.
ومنازله ثمانية وعشرون، والمنزل عبارة عما يقطعه القمر فى يوم وليلة، وذلك أنه يختفى ليلتين من أخر الشهر، أو أقل أو أكثر لمزيد قربه من الشمس، ولا يختفى أكثر من ثلاث ليال: ليلة قدامها، وليلة تحتها تقريبا، وليلة خلفها وذلك تقريب فأسقطوا يومين وذلك عند العرب وسكان البدو، وذلك ليضبطوا أحوال الرعى والانتقال الى المراعى وسائر مصالحهم، ويبقى ثمانية وعشرون، وقسموا دور الفلك عليه فكان كل قسم اثنتى عشرة درجة، واحدى وخمسين دقيقة تقريبا، وهو أسباع درجة، ونصيب كل برج منه منزلتان وثلث، والمنازل عند أهل هند سبعة وعشرون، لأن القمر يقطع فلك البروج فى سبعة وعشرين يوما وثلث يوم، فحذفوا الثلث لأنه أقل من النصف.
والشمس تستر دائما ثلاث منازل ما هى فيه بشعاعها، وما قبلها بضياء الفجر، وما بعدها بضياء الشمس، ورصدوا ظهور المستتر بضياء الفجر، ثم شعاعها، ثم بضياء الشفق، فوجدوا الزمان بين كل ظهورى منزلتين ثلاثة عشر يوما تقريبا، فأيام جميع المنازل تكون ثلاثمائة وأربعة وستين، لكن الشمس تقطعها فى ثلاثمائة وخمسة وستين، وزادوا ذلك اليوم فى القفر اصطلاحا، أو لشرفه، وقد يحتاج إلى زيادة يومين ليكون انقضاء الثمانية والعشرين مع انقضاء السنة، ويرجع الأمر الى النجم الأول، وليس القمر أو الشمس يحادى المنزل، ولا بد فإنه قد كون قبله بقليل أو بعده، وإنما أرادوا الضبط، وليس كل منزل نجما واحدا، بل بعضها نجم، وبعضها اثنان، وبعضها ثلاثة، وأكثر فالثريا ستة أنجم، وقيل خمسة، وقد قيل بالآلة أكثر من ثلاثين نجما فيها، وبعض المنازل غير نجم، وهو البلدة فإنها قطعة من السماء لا نجم فيها مستديرة.
ولا يخفى أن الشهر ثلاثون أو تسعة وعشرون بحسب الرؤية، والشرع جاء على هذا لا غير، وأما أهل الميقات فقالوا الشهر الأول ثلاثون، والثانى تسعة وعشرون، والثالث ثلاثون، وهكذا فالشهر الأخير تسعة وعشرون، وأيام السنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً بسيطة، وثلاثمائة وخمسة وخمسون كبيسة، والشهر الأخير منها ثلاثون، ويسمى هذا الحساب الحساب الوسطى، والشمس والقمر يجتمعان فى آخر كل شهر عربى فى منزل واحد، ودرجة واحدة، وهو يوم ثمانية وعشرين إن كان سير الشمس بطيئا أو يوم تسعة وعشرين إن كان سريعا، ثم إن كان البعد بينهما اثنتى عشرة درجة أو أكثر رؤى الهلال، وإن كان أقل لم ير مثل أن يجتمعا فى درجة واحدة، نهار ثمانية وعشرين، أو تسعة وعشرين عند غروب الشمس.
والقمر سريع السير، فعند غروب ليلة الثلاثين يكون القمر قد سار فى اليوم والليلة ثلاث عشرة درجة، فالبعد أكثر من اثنتى عشرة درجة فيرى الهلال، ويكون الشهر ناقيا، وإن اجتمعا نهار تسعة وعشرين أو ليلة ثلاثين عند الغروب بعد مضى نهار تسعة وعشرين فعند الغروب يكون القمر قد سار فى اليوم والليلة منزلة واحدة، والبعد بينه وبين الشمس أكثر من اثنتى عشرة درجة، فيرى الهلال، ويكون الشهر تاما.
والحاصل أنه متى كان القمر فى برج الحمل، أو الحوت خلف الشمس وبينهما إحدى عشرة درجة رؤى الهلال، وإن كان فى برج الجوزاء أو الجدى وبينهما اثنتا عشرة درجة رؤى، وإن كان فى برج السرطان أو القوس، وبينهما خمس عشرة درجة رؤى، وإن كان فى برج الثور أو الدلو، وبينهما خمس عشرة درجة رؤى، وإن كان فى برج الأسد أو العقرب، وبينهما خمس عشرة درجة رؤى، وإن كان فى برج الجوزاء أو الجدى وبينهما خمس عشرة درجة رؤى، وإن كان فى برج السنبلة، أو وكان بينهما ثلاث عشرة درجة رؤى، وإن كان أقل من هذه الدرج لم يرو لم يظهر إلا بالحساب الدقيق.
{ حتَّى عادَ } صار فى أواخر سيره لقربه من الشمس فى رأى العين { كالعُرجُون } هو العود الذى بين الشمراخ والنخلة من العرج، وهو العوج، والنور زائدة كالوَاوِ بوزن فعلون لا ما قيل من أنها أصل بوزن فعلول، شبه به القمر آخر الشهر إذا تقوس صورة لا تحقيقا بخلو باقيه من النور، ووجه الشبه ذلك العوج أو مع اللون، وظاهر الآية أنه قمر فى ليالى الشهركلها كما هو العرف العام، ولا سيما إذا ذكر مع الشمس، والمشهور عند اللغويين أنه بعد الاجتماع مع الشمس ومفارقته إياها لا يسمى قمرا إلا من ثلاث ليال وست وعشرين، وفيما عدا ذلك يسمى هلالا { القَدِيم } الذى مر عليه زمان حتى يبس واصفرَ واعوج، وقيل: مر عليه حول، ومن قال: كل عبد لى قديم فهو حر عتق من له حول عنده أو أكثر، وقيل: ستة أشهر.