خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ
٩
-يس

تيسير التفسير

{ وجَعَلنا مِن بيْن أيديهم } قدامهم { سدا } عظيما مانعاً من قبول دين الله باختيارهم { ومِنْ خْلْفِهِم سداً } كذلك، وذكرهما كناية عن جميع الجهات، وأيضا كفى عن ذكرهن قوله تعالى: { فأغشيناهم } غطيناهم، والفاء لمجرد الترتيب، إلا أنه يحتمل أن المراد أغشيناهم بالسدين، فتكون للتفريع { فهُم } بسبب ذلك { لا يُبْصرُون } الحق بسوء اختيارهم، فان تصميمهم على الكفر كالأغلال، واستكبارهم عن قبول الحق كالإقماح، إذ فيه إذ فيه رفع الرأس، وعدم النظر فى أحوال من قبلهم كسد من خلفهم، وفيما يستقبل كسد من قدامهم، وفى جمع الأيدى الى الأعناق تلويح الى منع التوفيق حين استكبروا، لأن المتضع يضع عنقه ولا يرفعه، وفى الاقماح تلويح الى أنهم لم ينظروا فى شأن أنفسهم، فان المقمح لا ينظر بدنه، وفى السد تلويح بأنهم لا ينظرون الى آيات الآفاق الدالة على الوحدانية، وفى أنا جعلنا إلخ تشبيه لتصميمهم على الكفر بربط الأيدى الى الأعناق، وجعل الأغلال فى الأعناق فى النار مستقبل، والماضى لتحقق الوقوع.
أو المعنى قضينا بجعل الأغلال فى أعناقهم، ومثل قوله { لا يبصرون } قوله عز وجل:
" { ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا } " [الإسراء: 97] وقوله تعالى: " { قال رب لم حشرتني أعمى } " [طه: 125] وفى النار والمواقف مواطن، فتارة يبصرون ليعاينوا عذابهم وقبحهم وإخوانهم، قوله عز وجل: " { فبصرك اليوم حديد } " [ق: 22] إن لم يفسر بالإدراك، وليس المقام لذكر الإنفاق حتى يفسر جعل الأغلال فى الأعناق كناية عن عدم الإنفاق كقوله تعالى: " { ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك } " [الإسراء: 29] ولا بد من تفسير الآيات بما ذكر من وجوه الدين والآخرة مع ما طابقها من وقائع الحال فى الدنيا، مثل ما روى أنه صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة، فقام قوم من قريش ليأخذوه، فجمعت أيديهم الى أعناقهم ولا يبصرون، فأنشدوه الله تعالى، وما فى قريش بطن إلا وله صلى الله عليه وسلم قرابة فيهم، فدعا الله فشفاهم من ذلك، وإن أبا جهل لعنه الله، أخذ حجرا ليضربه فى الصلاة فألزق فى يده حين دنا، وانثنت يده الى عنقه، فرجع وما فك إلا بجهد، فأخذه مخزومى آخر، فلما دنا عمى، فنادى أصحابه فرجع بأبصره، وقد سمع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم وما رآه وقال: رأيت فحلا يخطر بذنبه لو دنوت لأكلنى، فأخذه مخزومى آخر فرجع ينكص حتى وقع على قفاه مغشيا عليه، فأخبرهم أنه رأى فحلا أعظم ما يكون يخطر بذنبه حين دنوت، لو لم أرجع لأكلنى فنزلت الآيات لذلك كله.