خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ يٰإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ ٱلْعَالِينَ
٧٥

تيسير التفسير

{ قال } الله عز وجل توبيخا وإنكارا { يا إبليسُ ما منَعَك أن تَسْجُد } من أن تسجد، أى من السجود، أو ما منعك السجود، فانه قد يتعدى لاثنين { لما خَلقْتُ بيَديَّ } أى لمن خلقت، فما واقعة على العاقل كما تقع على الجماد، وسائر الحيوان، أو لما كان شيئا جديدا غير معروف، عبر عنه بما، أو ما مصدرية والمصدر بمعى مفعول، أى لخلقى أو مخلوقى، وانما صرنا الى هذا لتأويل ما لا عبثا.
واليدان تعظيم له عليه السلام وتأكيد للقدرة، والشىء المعتنى به يعمل باليدين، وهو من غير أب وأم، وفيه علوم ومزايا ليست للملائكة، وأنه طين ثم لحم ودم وعظم، ثم حياة وقوة وعلم، ومن كان ذلك حاله حقيق أن يعظم ويسجد له، إذ أمر الله تعالى بالسجود له، أو اليدان لأن له أفعالا ملكية تناسب اليمين، وأفعالا حيوانية تناسب الشمال، ولا يد لله حقيقة، أو اليد النعمة والتثنية لتأكيد النعمة، أو لنعمة الدنيا ونعمة الآخرة، ولا بأس أن تقول بيدى تأكيد لكنه خلقه، وتحقيق، كما يقال: هذا رأيته بعينى، أو هذا كتبته بيدى، أو قلته بلسانى على أن يرجع هذا التأكيد لتعظيمه، كأنه قيل حقيق أن تسجد لما تحقق أنه خلقته بيدى.
قال ابن عمر: " خلق الله أربعة بيده: العرش، وجنات عدن، والقلم، وآدم، ثم قال لكل شىء كن فكان" رواه البيهقى، وثم الترتيب الذكرى، والتراخى الرتبى، ويروى أن الله تعالى كتب التوراة بيده، ولا يخفى أن ذا اليدين يباشر الأعمال، فغلب الفعل بهما على سائر الأعمال، حتى يقال فى عمل القلب: إنه مما عملته يده، ويقال لمن لا يدين له: عملته يداك، ومنه مما عملت أيدينا، ولما خلقت بيدى، ويروى أن الملائكة قالوا: أجعل لآدم وذريته الدنيا، ولنا الآخرة، فقال الله عز وجل:
"وعزتي وجلالي لا أجعل من خلقته بيدي كمن قلت له كن فكان" .
{ أسْتَكْبرت } بفتح الهمزة للاستفهام التوبيخى، وهمزة الوصل المذكورة محذوفة لفظا وخطا، أى أتكبرت من غير استحقاق وهو فوقك { أمْ } متصل { كُنْت مِن العَالِينَ } ممن هو فى الحقيقة أعلى منه شأنا، فظهر لك أن لا تسجد له ولو أمرتك بالسجود، أو أحدث لك التكبر بعد الاتضاع لأمر الله، أو أحدث لك استحقاق رفعة وأنت قبل ذلك لم تكن برفيع، أم كنت عاليا عليه من أول مرة حقيقة، أو مدعيا للرفة من أول مرة،ولفظ كنت أنسب بهذه الأوجه غير الأول، إذ لم يقل أم أنت من العالين، كذا قيل، وقيل: من العالين من الملائكة العالين على من سواهم من الملائكة لا يعرفون أحدا معهم إلا الله والإكباب على طاعته لم يؤمرا بالسجود لآدم، ويسمون المهيمين.
وقيل: { من العالين } من ملائكة السماوات على أنه أمر بالسجود ملائكة الأرض فقط، والصحيح أن الملائكة كلهم أمروا بالسجود له، وأجاب قوله: { أستكبرت } إلخ بقوله:
" { أنا خير } " [ص: 76] كما قال.