خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَلاَ لِلَّهِ ٱلدِّينُ ٱلْخَالِصُ وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَىۤ إِنَّ ٱللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَـفَّارٌ
٣
لَّوْ أَرَادَ ٱللَّهُ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً لاَّصْطَفَىٰ مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ سُبْحَانَهُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلْوَاحِدُ ٱلْقَهَّارُ
٤
-الزمر

تيسير التفسير

{ ألا لله الدِّينُ الخالِصُ } كلام مستأنف لا تأكيد لما قبل، لأن ما قبل أمر بالعبادة لله، وإخلاصها، وهذا إخبار بأن ذلك حق لله، والله أهل له، ولا أهل له سواه، وهو أقوى مما قبل، لأنه برهان له، فان المعنى اعبدنى باخلاص فانه لا أهل لذلك غيرى، ولا سيما أنه أكد بالجملة الاسمية، وألا والحصر، وذلك كقولك: أعطنى كذا فانه حق لى عليك، وهذه شهودى، نعم اشتملت هذه الجملة على الأولى، وأوجبتها ضمناً فان أريد بالتأكيد للأولى هذا فصيح، وأفادت ان الله تعالى لا يقبل ما هو عبادة أريدها بها غيره،ولا عبادة أريد بها هو وغيره، قال يزيد الرقاشى: "قال رجل: يا رسول الله إنا نعطي أموالنا التماس الذكر، فهل لنا من أجر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا قال: يا رسول الله إنا نعطي التماسا للأجر والذكر فهل لنا أجر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى لا يقبل إلا عمن أخلص له، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم { ألا لله الدين الخالص }" .
وفى ذلك رد على من قال: يقبل منه جانب التقرب الى الله تعالى، وكذا الأحاديث القدسية: " أنا أغنى الشركاء عن الشركة" وأنا قد رددته كله، والحديث يدل على أن الدين فى الموضعين العبادة، إذ سئل عن العبادة بالمال فأجاب بالعبادة، وقال قتادة: العبادة فيهما شهادة أن لا إله إلا الله، وقال الحسن: الاسلام فاما أن يريد العبادة، وإما أن يريد التوحيد لا إله إلا الله. وقرر الله تعالى التوحيد، بأن المشركين أقروا بتحقيق الألوهية لله تعالى، وأنه الملك النافع الضار إذ قالوا: انما نعبد الأصنام لتقربنا اليه، وأفسدوا بهذا اقرارهم، وبقولهم: الملائكة بنات الله ونحو هذا، وذلك فى قوله تعالى:
{ والَّذينَ اتَّخذوا مِنْ دُونِه أولياء ما نَعْبُدهم إلاَّ ليقربونا الى الله زُلْفَى } ومعنى أولياء آلهة، والخبر قول محذوف تقديره يقولون، أو قالوا: ما نعبدهم، وهاء نعبدهم عائدة الى الأولياء، وزلفى اسم مصدر بمعنى تقريبا مفعول مطلق، والآلهة المعبر عنها بأولياء ما يعبد من دون الله كالملائكة، وعيسى والأصنام،والقائلون الملائكة بنات الله: بنو عامر وبنو كنانة وبنو سلمة، ويجوز أن تكون الجملة مفعولا به لحال محذوف من واو اتخذوا تقديره: قائلين: { ما نعبدهم } الخ أو يقدر قالوا بدل اشتمال من قوله: " اتخذوا" وخبر المبتدأ هو قوله:
{ إنَّ الله يحكُم بينَهُم فيما هُم فيه يخْتَلفُون } وفى الكلام حذف، أى بينهم وبين المؤمنين، والحكم بينهم إدخال العابدين لغير الله تعالى النار، وإدخال المؤمنين الجنة، أو يميز بين المؤمنين والكافرين بعلامة، واختلافهم قول المؤمنين بالتوحيد، وأنه الحق، وقول الكفرة بالاشراك، وأنه حق، وقيل لا حذف فالضمائر للكفرة، وما عبدوه، والحكم بينهم إدخال الملائكة وعيسى الجنة، وادخال عابديهم النار، قيل: وإدخال الأصنام معهم النار تحسيرا لهم بها، وتعذيبا بها، ولا تتألم واختلافهم رجاء الكفرة الشفاعة، وقول الملائكة وعيسى: إنكم على باطل ولا نشفع لكم، ولعنهم باللسان أو الحال، والله قادر أن ينطق الأصنام باللعن ويبعد أن يكون الذين للمعبودين، وضميرهم هاء محذوفة، والواو للعابدين { إن الله } إلخ و { ما نعبدهم } محكى بقول محذوف بدل أو حال كما مر أى يقولون أو قائلين.
والمعنى المعبودون الذين اتخذوهم، أى اتخذهم المشركون العابدون أولياء، إن الله يحكم بينهم بادخال المعبودين الجنة الملائكة وعيسى، والعابدين والأصنام النار مختلفين برجاء الشفاعة، وتبرىء المعبودين منهم، ووجه البعد أنه لم يجر للمعبودين ذكر، وأن ذلك مخالفة للظاهر فى الضمير، وحذف الضمير وعدم تقدم اختلاف الملائكة وعيسى معهم بالخصام، حتى يحكم بينهم، وإنما ذلك للمؤمنين معهم فى النار.
{ إنَّ الله لا يَهْدي } الى ما ينجى من العذاب الى الجنة، وهو الايمان والعمل { مَنْ هُو كاذِبٌ كفارٌ } راسخ بالذات فى الكفر مستعد له كما قال:
" { أعطى كل شيء خلقه ثم هدى } "[طه: 50] و " { كل يعمل على شاكلته } " [الإسراء: 84] أو لا يهدى من سبقت فى علمه شقوته، أو لا يهدى يوم القيامة الى الجنة من استمر على الكفر فى الدنيا، والكذب على العموم كذب أهل الشرك بالاشراك، وبالقول الملائكة بنات الله، وغير لك من أنواع الشرك، وعلى عموم المشركين، وان قيل: المراد المشركون المتحدث فيهم، فقوله: { من هو كاذب كفار } إظهار فى موضع الاضمار، ليوصفوا بما أوجب هلاكهم، وهوالرسوخ فى الكذب والكفر، ويناسب ارادة الخصوص كعاصر وكنانة وبنى سلمة القائلين الملائكة بنات الله ومن يقول عيسى ابن الله سبحانه قوله تعالى:
{ لو أراد الله أنْ يتَّخذَ ولدا لاصْطَفى ممَّا يخْلقُ ما يَشاء } لو أراد الله اتخاذ أشياء عاقلة غاية فى الحب والتقريب، حتى تسمى أولاده على سبيل المجاز فى التسمية، لاختار ما يشاء هو، ولا ينتظر أن يتخذ له المشركون ما يختارون له، كالملائكة وعيسى، ولو شاء لاختارهم أو غيرهم بالتسمية، كما سمى آدم خليفة له، وكذا الأنبياء، وكما سمى السعداء أحباءه، وكما سمى القدرة يدا، وكما قال:
" { ما في نفسك } " [المائدة: 116] أى عندك ونحو ذلك من المجاز، ولكنه لا يريد ذلك ولو على التسمية والتجوز فقط، مع أنها جائزة على المجاز، وانما قلت: أشياء، لأن الولد يطلق على الجمع وما دونه، مع أن المشركين نسبوا اليه الجماعة، ومنهم عيسى، ولو اختص به الصنارى، والله أعلم سبحانه، عن كل ما لا يجوز فى حقه.
وإن فسرنا الوالدية الحقيقة على طريق النفى، فالمعنى لو صح أن يريد الله اتخاذ الولد لم يجده، لأن كل ما سواه مخلوق، والمباينة بين الخالق والمخلوق تامة، والولادة تنافى المباينة، فلم تثبت، صحة الارادة، إذ لا يريد ما لا يمكن، فيكون حاشاه عاجزا أو لفرضنا صحة ارادة اتخاذ الولد لانتقضت لتعلقها بالممتنع، وهى الولادة المنافية للألوهية، ولو فرضنا صحة الاتخاذ لامتنع الاتخاذ، وجعل { لاصطفى } فى هذين الوجهين بدل الجوابين اللذين قدرت فيهما والولادة تسمية أو تحقيقا منتفية، وأمكن الاصطفاء بلا ولادة، وقد اصطفى الملائكة وعيسى عليهم السلام على غير الولادة.
{ سُبْحانه } عن الولادة تسمية وهى التبنى، وحقيقة وعن كل نقص { هُو الله الواحِدُ } بلذات، لا يقبل الولادة والتبعيض والانفصال، وفيه مقابلة لقوله: { اتخذوا من دونه أولياء } { القَهَّار } لكل شىء، فهو غنى عن كل شىء، واتخاذ الولد احتياج، كما قال الله عز وجل:
" { قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني } " [يونس: 68] أى الغناء الكامل، حتى لا يحتاج الى جنس وفصل وصورة ومادة وأعراض وأبعاض ونحو ذلك، والولادة تتضمن الانفصال والمثلية، والمنفصل شىء مقهور لا قاهر.