خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ بِٱلْحَقِّ يُكَوِّرُ ٱللَّيْـلَ عَلَى ٱلنَّهَـارِ وَيُكَوِّرُ ٱلنَّـهَارَ عَلَى ٱللَّيْلِ وَسَخَّـرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُـلٌّ يَجْرِي لأَجَـلٍ مُّسَـمًّى أَلا هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفَّارُ
٥
-الزمر

تيسير التفسير

{ خَلَق السَّماواتِ والأرضَ بالحقِّ } لا خالق سواه، ولا يعجزه شىء، كما هو الواحد القهار، فهو واحد فعلا، كما هو واحد ذاتا { يُكور الليل على النَّهار ويُكوِّر النَّهار على الليل } يغرب الشمس كل يوم قبل اغرابها بالأمس، ففى كل يغطى الليل على بعض النهار، فيطول الليل، ثم يطلع الفجر كل يوم قبل اطلاعه بالأمس، فيطول النهار، وذلك كتغطية بعض العمامة ببعض، كذا ظهر لى، ثم رأيته لابن عباس إذ قال: يجعل أجزاء النهار ليلا فيطول الليل، وبالعكس فيطول النهار، وفى معنى ذلك تأخير اطلاع الفجر فيطول الليل، وبالعكس فيطول النهار، وذلك كقوله تعالى: " { يولج الليل في النهار } " [الحج: 61] الخ وما نقص من الليل زاد فى النهار، وما نقص من النهار زاد فى الليل، ومنتهى النقصان تسع ساعات، ومنتهى الزيادة خمس عشرة ساعة.
والليل والنهار عسكران عظيمان، يكر أحدهما على الآخر كروراً متتابعا شبيها بتتابع أكوار العمامة، وكل يغيب الآخر اذا طرأ عليه، وقيل: المعنى يجعل الليل مكان النهار بزوال بياضه، وبالعكس بزوال الظلمة كقوله تعالى:
" { والليل إذا يغْشَى * والنَّهار إذا تجلى } " [الليل: 1 - 2] وقيل: يأتى بكل واحد عقب الآخر كقوله تعالى: " { جعل الليل والنَهار خلفة لمن أراد أن يذكر } "[الفرقان: 62] وقوله تعالى: " { يغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً } " [الأعراف: 54] وفى التفسير الأول مراعاة لىّ العمامة بعض على بعض كما مر، وهو أولى، يقال كار العمامة يكورها، كقال يقول، والتشديد فى الآية للمبالغة، وفى الآية استعارة تمثيلية بتشبيه أشياء بأشياء أولى من جعلها مفردة فى يكور على حدة تبعية، وفى النهار على حدة أصلية، وفى الليل كذلك.
{ وسخَّر الشمْس والقَمَر } يجريان كما أراد فى نفس الطلوع والغروب، وفى حركتهما حتى لا يميلان عن مجراهما، وان أريد أن كلا يجرى لمنتهى دورته، كان قوله تعالى: { كلُّ يجْري لأجلٍ مُسمى } تفسيرا للتسخير، أى لا يقصر عن دورته، ولا يزيد عليها، وقبح الله من يقل: الشمس ساكنة لا تجرى، مع أن الله عز وجل يقول: " كل يجرى" ولا أحد يكوِّر الليل والنهار، أو يسخر الشمس والقمر ويقهرهنَّ إلا الله عز وجل، فلا إله إلا الله الواحد فعلا، كما هو الواحد ذاتا، المتنزه عن الولادة { ألاّ هُو العزِيزُ } الغالب على العصاة المصرِّين { الغفَّار } للتائبين لقوله تعالى:
" { إلا من تاب } " [مريم: 60، الفرقان: 70] وقوله صلى الله عليه وسلم: " "هلك المصرون" أو العفو عن المصرِّين بأن لم يعاجلهم بالعقاب، فعليه سمى عدم التعجيل بالعقاب مغفرة على الاستعارة الأصلية، واشتق لفظ غفار على التبعية، والجامع ترك العقاب، ولو كان العقاب فى المشبه متوقعا، أو سمى عدو تعجيل العقاب مغفرة على المجاز المرسل الأصلى والتبعى، لعلاقة الاطلاق والتقييد، لأن الترك فى المغفرة مطلق، وفى التأخير مقيد بأن العقاب سيكون.