خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا ٱلْمَسِيحَ عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ ٱللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً
١٥٧
بَل رَّفَعَهُ ٱللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً
١٥٨
-النساء

تيسير التفسير

{ وَقَوْلِهِمْ } مفتخرين { إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } وصلبناه بدليل، وما صلبوه، وقوله { رَسُولَ اللهِ } من كلام الله تعظيما له، لا من كلامهم لأنهم لا يقرون برسالته، كما تقول، قال عمرو، إنى أكرم زيداً القرشى، وعمرو لم يذكر لفظ القرشى، بل زدته أنت، إذ كان مراداً لعمرو، فإن هذا النعت والبدل والبيان والتوكيد، كعطف التلقين، أو يقدر أمدح رسول الله، أو قوله رسول الله من كلامهم تهكماً برسالته، كقول قريش { { يا أيها الذى نزل عليه الذكر إنك لمجنون } [الحجر: 6]، وقول فرعون: { { إن رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون } [الشعراء: 27]، أو مرادهم رسول الله بزعمه، أى زعم عيسى { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ } نائب الفاعل، أو شبه هو، أى عيسى بغيره لهم، أو شبه هو، أى المقتول بعيسى، وهو أولى، لأن المتبادر أن يشبه غير عيسى بعيسى، وقيل، إن الضمير للأمر وأن التشبيه اللبس، قال رهط من اليهود هو الساحر بن الساحرة، الفاعل بن الفاعلة، قذفوه وأمه، ولما سمع عيسى ذلك قال، اللهم، أنت ربى وأنا من روحك خرجت وبكلماتك خلقتنى، ولم آتهم من تلقاء نفسى فالعن من سبنى وسب أمى، فاستجاب الله تعالى دعاءه، ومسخ الذين سبوه وسبوا أمه قردة وخنازير، فخاف يهوذا رئيسهم دعوته، فاجتمعوا على قتله، فبعث الله جل وعلا جبريل يخبره بأنه يرفعه للسماء، فقال لأصحابه: أيكم يرضى أن يلقى إليه شبهى فيقتل ويصلب ويدخل الجنة فقام رجل منهم، فألقى الله عليه الشبه فقتلوه وصلبوه، ويقال، كان رجل ينافقه فخرج ليدل عليه وأعطوه ثلاثين درهما فألقى الله عليه الشبه فأخذ وقتل وصلب، وقيل، دخل طيطابوس اليهودى بيتاً وهو فيه فلم يجده، وألقى الله عليه شبهه ولما خرج ظنوه عيسى فأخذ وصلب، ويقال، وكلوا به رجلا يدور معه حيث دار، فصعد الجبل فجاءه الملك فأخذ بضبعيه ورفعه إلى السماء، وألقى الله على الرجل شبه عيسى فظنوه عيسى فقتلوه وصلبوه، وكان يقول: أنا فلان لا عيسى، فلم يصدقوه، ويقال، خاف رؤساء اليهود فتنة العامة فأخذوا رجلا فقتلوه وصلبوه فى جبل ومنعوا الناس من الدنوا إليه حتى يتغير، وشبهوا على الناس أنه المسيح لأن عيسى المسيح لا يعرف إلا بالاسم، لأنه لا يخالط الناس إلا قليلا، وتواتر النصارى أنهم شاهدوا عيسى قتيلا لا يتم لانتهائه إلى قوم قليلين لا يبعد اتفاقهم على الكذب، ولأنه قد يشبه لهم كما شبه على اليهود، وقال أبو حيان: لم نعلم كيفية القتل، ولا من ألقى عليه الشبه ولا يصح بذلك حديث، وروى النسائى عن ابن عباس، أن رهطا من اليهود سبوه وأمه، فدعا عليهم فمسخهم الله قردة وخنازير، فاجتمعت اليهود على قتله، فأخبره الله بأنه يرفعه إلى السماء، وعن الضحاك كما قال القرطبى، أنه لما أرادوا قتل عيسى اجتمع الحواريون فى غرفة، وهم اثنا عشر رجلا، وقال وهب بن منبه سبعة وعشرون، فدخل عليهم المسيح من مشكاة الغرفة، فأخبر إبليس جميع اليهود فركب أربعة آلاف رجل، فأخذوا باب الغرفة، فقال المسيح للحواريين: أيكم يخرج ويقتل، ويكون معى فى الجنة؟ فقال رجل: أنا يا نبى الله، فألقى إليه مدرعته من صوف وعمامته من صوف وناوله عكازه، وألقى الله عليه شبه عيسى، فخرج على اليهود فقتلوه وصلبوه وأما المسيح فكساه الله الريش وألبسه النور، وقطع عنه لذة المطعم والمشرب فصار مع الملائكة، وقيل كلهم ألقى الله عليهم الشبه، فكل بصورة عيسى فقال اليهود: سحر تمونا، بينوا لنا أيكم عيسى، أو لنقتلكم جميعاً، فقال عيسى: أيكم يخرج.. الخ، وأنكر الروم إلقاء الشبه، وقالوا إنه إضلال، ويجاب بأنه لو لم يثبت إلقاء الشبه لزم تكذيب المسيح وإبطال نبوته وسائر النبوات، وأيضاً أقروا بأن المصلوب قال إلهى إلهى، لم تركتنى، وهذا مناف للرضى، وأنه طلب الماء وشكا العطش، وفى الإنجيل أن المسيح يطوى أربعين يوما، فالمصلوب الشبه { وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ } فى شأنه، وهم اليهود، فقال بعض: إنه كاذب فقتلناه، وقال بعض وجه هذا القتيل وجه عيسى والبدن بدن صاحبنا، وقال بعض: إن كان هذا عيسى فإين صاحبنا، ويقال: إن اليهود حبسوا عيسى مع عشرة من الحواريين فى بيت، فدخل رجل من اليهود ليخرجه فيقتله، فألقى الله عليه شبه عيسى فقتلوه، وقال من سمع منه، إن الله يرفعنى إلى السماء، أنه رفع إلى السماء، وقيل: إن المختلفين النصارى، فقال قوم: صلب الناسوت وصعد اللاهوت، وهم النسطورية، ولا يعدون القتل نقيصة لأنه وقع على الناسوت لا على اللاهوت، وقال الملكانية: القتل والصلب وصلا إلى اللاهوت بالإحساس والشعور لا بالمباشرة، وقال اليعقوبية: القتل والصلب وقعاً بالمسيح الذى هو جوهر متولد من جوهر، وهم القائلون، المسيح صار بالاتحاد طبيعة واحدة، وليس فى الطبيعة الواحدة ناموس متميز عن لاهوت، والشىء الواحد لا يقال فيه مات ولم يمت، وأهين ولم يهن، وقالت الروم: هى على طبيعتين مع الاتحاد، قلنا: إن فارق اللاهوت ناسوته عند القتل، فقد أبطلوا دينهم، إذا لم يستحق الربوبية إلا بالاتحاد، وإن لم تفارقها فقد قتل الناسوت واللاهوت معاً، وإن أرادوا بالاتحاد أن الإله جعله مسكناً، وفارق المسكن عند ورود القتل على الناس فقد ابطلوا الهيئة، وقد أهين إذ لم يأنف اللاهوت عن مسكنه، وأساء الجواز إن قدر على الانتصار، ولم ينتصر وإن لم يقدر فأبعد عن الربوبية، وهذا هو المراد بقوله: وإن الذين اختلفوا فيه، والناسوت جسمه واللاهوت روحه { لَفِى شَكٍّ مِّنْهُ } لفى تردد من شأنه ولو من قال رفع لأنه لم يجزم ولو سمعه منه، وهذا هو المراد، وأصله استواء الطرفين، ولكونه هنا لعدم الاستواء أكده بنفى العلم فى قوله { مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمِ إِلاّ اتِبّاعَ الظَّنِّ } الاستثناء منقطع، لأن اتباع الظن ليس من جنس العلم، كما أن الظن ليس من جنس العلم، وإن فسرنا الشك بالجهل، والعلم بالاعتقاد الذى تسكن إليه النفس، جزماً كان أو غيره، كان الاستثناء متصلا، والشك والظن لا يجتمعان، لأن إدراك النسبة مع الشك فيها لا يترجح فيه أحد الجانبين على الآخر، وإدراكها بطريق ترجح أحدهما ظن، والرجحان وعدمه لا يجتمعان، فالشك بمعنى التردد كما مر، فإن الشك كما يطلق على ما لا يترجح أحد طرفيه يطلق على مطلق التردد وعلى ما يقابل العلم فأكده بقوله ما لهم به من علم إلا اتباع الظن، والفرق بين التردد الذى هو عدم الجزم وبين ما يقابل العلم أن الثانى أعم، لأنه كما يتناول الشك المصطلح عليه والظن يتناول الجهل، وهو الاعتقاد غير المطلق لا يتناوله التردد { وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً } أى انتفى قتلهم إياه، انتفاء يقيناً، أى انتفاء يتيقنه أهل الحق، أو ما أيقنوا قتله، بل ادعوا قتله، أى ما قتلوه موقنين بأنه عيسى، أو بالقتل، أو ذوى يقين، أو ماقتلوه قتلا يقيناً، ولا يجوز نصبه بقوله:
{ بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ } لأن معمول المعطوف لا يتقدم على العاطف، وقيل، ما قتلوا العلم، أى بالغوا فيه، وقيل، ما قطعوا الظن يقيناً، ومعنى رفعه الله رفعه إلى السماء وإيصاله إلى موضع لا يجرى فيه حكم غير الله جل جلاله، فلا يجرى عليه حكم العباد، وهو فى السماء الثالثة، وقيل الثانية، وقيل حول العرش مع الملائكة، لا يأكل ولا يشرب، وينزل آخر الزمان فيسلم الناس كلهم يموْت ويدفن فى حجرة النبى صلى الله عليه وسلم، وقيل فى بيت المقدس، ويحج ويعتمر، ويتزوج ويضع الجزية ويقتل الخنزير ويمحو الصليب { وَكَانَ اللهُ عَزيزاً } لا يردهما أراد لكمال قدرته ومنها رفع عيسى { حَكِيماً } قولا وفعلا، ومن حكمته رفع عيسى إلى السماء، وإلقاء الشبه، والمختار أن رفعه قبل صلب الشبه، وآدم فى الأولى، ويحيى وعيسى فى الثانية، ويوسف فى الثالثة، وإدريس فى الرابعة، وهارون فى الخامسة، وموسى فى السادسة، وإبراهيم فى السابعة.