خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ كَمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ نُوحٍ وَٱلنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً
١٦٣
-النساء

تيسير التفسير

{ إنَّآ أَوْحَيْنآ إليْكَ كمآ أَوْحَيْنآ إلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ } احتجاج على أهل الكتاب بأن امره فى الوحى كسائر الأنبياء، ولا يلزم نبوة إلا بإنزال الكتاب جملة كما أنزلت التوراة، فهذه جملة أنبياء أقررتم بنبوتهم وما أنزل على أحدهم كتاب، والأنبياء مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، عن كعب ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً، والكتب نزلت قبل القرآن على شيث وموسى وداود وعيسى، فقيل: إن الإنجيل والزبور نزلا شيئاً فشيئاً، لا جملة، وقيل: كل الكتب نزلت جملة إلا القرآن فشيئاً فشيئاً، ومن ذلك صحف شيث وموسى وإدريس وإبراهيم عليهم السلام، وزاد بعض عشر صحف على نوح، وبدأ بنوح لأنه أول نبى عذب قومه بكفرهم، فهدد المشركون وسائر الكفار بهم، وقيل: لأنه أول من شرع له الشرائع، واعترض بأنه مسبوق فى ذلك، وقيل، لأنه عام لأهل الأرض مثل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،واعترض بأنه اتفاقى لا قصدى، وأجيب بأنه عمومه كاف مطلقاً مع أنه مبعوث إلى الناس كلهم قبل الغرق، وذكر بعده إبراهيم لأنه أب ثالث، والثانى نوح، لأنه لم ينسل إلا أولاده، ولأبوة إبراهيم، أعاد ذكر الإيحاء وذكر عيسى قطعاً لقول اليهود وقيل، قال مسكين وعدى بن زيد، يا محمد، ما نعلم أن الله أنزل وحياً بعد موسى، فنزلت الآية { وَأَوْحَيْنَآ } أى وكما أوحينا { إِلَى إبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ } ظاهر فى أن أولاد يعقوب أنبياء، واتفقوا على يوسف، والظاهر أن الباقين غير أنبياء، لفعلهم ما فعلوا بيوسف، فذكرهم تغليباً له، وباعتبار أن ما أوحى إلى أبيهم موحى إليهم { وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ } خصهم بالذكر بعد العموم تعظيما لهم، فإن إبراهيم أول أولى العزم، وعيسى آخر من قبله، والباقون أشرف الأنبياء ومشاهيرهم، قيل، وبدأ بنوح لأنه أول نبى بعث بشريعة، وأول نذير عن الشرك، وأول من عذبت أمته لردهم دعوته وأول البشر لمن بعده، وأطول الأنبياء عمراً، ولم يشب، ولم ينقص له سن مع طول عمره، وطول أذى قومه، بعث الله إبراهيم، ثم إسماعيل بمكة ومات فيها، ثم إسحق ومات بالشام، ثم شعيب بن نويب، ثم هود بن عبد الله، ثم صالح ابن أسلف ثم موسى وهرون، ثم أيوب، ثم الخضر، ثم داود، ثم سليمان، ثم يونس، ثم إلياس، ثم دا الكفل، وكل نبى فى القرآن من ولد إبراهيم إلا إدريس ونوحا وهودا ولوطا وصالحا، والصحيح أن هودا وصالحا أول الأنبياء بعد نوح عليهم السلام { وَءَاتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً } مائة وخمسين صورة تسبيح وتقديس وتحميد وثناء على الله عز وجل، ومواعظ، وليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام، ونزل منجما كما فى بعض التفاسير، والمشهور أن كل كتاب نزل بمرة إلا القرآن، فعول بمعنى مفعول، أى مزبوراً، أى مكتوب، كناقة حلوب، ويقال أيضاً حلوبة فهو فى الأصل وصف ويجوز أن يكون فى الأصل مصدراً كقبول، أو بمعنى فاعل أى زابر، أى زاجر مؤثر، كما روى أن داود عليه السلام يخرج إلى البرية فيقوم ويقرأ الزبور، وتقوم علماء بنى إسرائيل، خلفه، ويقوم الناس خلف العلماء، وتقوم الجن خلف الناس والشياطين منهم خلف أهل الخير منهم، وتجىء الدواب التى فى الجبال فيقعن بين يديه وترفرف الطيور على رءوس الناس وهم يستمعون لقراءة داود ويتعجبون منها، فلما قارف الذنب زال عنه ذلك؛ فقيل، كان ذاك أنس الطاعة وعزها، وهذا وحشة المعصية وذلها.