خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَانُ ضَعِيفاً
٢٨
يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً
٢٩
-النساء

تيسير التفسير

{ يُرِيدُ اللهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ } فى تكليفكم الحنيفة السمحة للسهلة، ومّن ذلك أنه أباح لكم نكاح الإماء، ووضع عنكم الإصر والإغلال، وتسهيل قبول التوبة ما لم يسهل لغيرهم، والتخفيف من قبيل قولك أدر جيب القميص إذ لم يتقدم النقل بل لغيرهم { وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفاً } لا يصبر عن الشهوات، ولا يغلب هواه، ولا يتحمل مشاق الطاعات، ولا عن النساء، قال صلى الله عليه وسلم: "لا خير فى النساء ولا صبر عنهن، يغلبن كريماً ويغلبهن لئيم، فأحب أن أكون كريماً مغلوباً، ولا أحب أن أكون لئيما غالباً" وعن ابن عباس رضى الله عنهما: ثمانى آيات فى سورة النساء هى خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، وغربت، هؤلاء الثلاث، و { { إن تجتنبوا كبائر } [النساء: 31]، و { { إن الله لا يغفر أن يشرك به } [النساء: 48، 116]، و { { إن الله لا يظلم مثقال ذرة } [النساء: 40]، { { ومن يعمل سوءاً } [النساء: 10]، و { ما يفعل الله بعذابكم... } [النساء: 147] الآيات، ولما احتاج النكاح إلى المهر والمؤنة قال:
{ يآ أيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا } خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بالنهى، والمشركون أيضاً منهيون { لاَ تَأْكُلُوآ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُمِ بِالبَاطِلِ } بالوجه الحرام، برضى أو بغيره كالربا، وما يؤخذ على الزنى والقمار، والكهانة والأكل بالدين، والأكل بمعصية كالأجرة على فعل معصية، والعقود الفاسدة من نكاح وبيع، وقضاء المهر والديون والتباعات كالغصب والسرقة والغش والكذب فى البيع، وفيما يؤخذ به مال والتطفيف، ودخل بالمعنى أكل الإنسان مال نفسه ليقوى على معصية وصرفه فى معصية، وكالأكل مطلق الإتلاف بالباطل، وخصه لأنه المعظم المراد بالذات أو أراد بالأكل مطلق الإتلاف بالباطل أكلا أو غيره { إِلآ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ } أى ثابتة عن تراض { مِّنكُمْ } أى تراض ثابت منكم، الاستثناء منقطع، لأن حصول التجارة ليس مالا، وحرم تجر بلا تراض، فإذا عقد بيع ربا كفضة بذهب، أو فضة بلا حضور، أو بيع منفسخ لم يجز القهر على تصحيحه، وعنه صلى الله عليه وسلم:
"تسعة أعشار الرزق فى التجر، والعشر فى المواشى" ، وعنه صلى الله عليه وسلم، "أطيب الكسب كسب التجار، الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا وعدوا لم يخلفوا، وإذا كان عليهم لم يماطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا" ، وكالتجارة غيرها من الحلال، وخصها لأنها الغالب فى المال وأسباب الرزق، وأوفق بذوى المروءات، وقد يكون المال صدقة ووصية وهبة وإرثاً وصداقاً وأرشاً وقيل المراد بالتجارة ما يعم ذلك استعمالا للخاص فى العام { وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ } لا تردوا أنفسكم بقتل وما دونه، وبالمضرة الأخروية كالإشراك، فالآية من عموم المجاز، للخروج عن الجمع بين الحقيقة والمجاز، وأيضاً لا يقتل الإنسان نفسه، ولا نفس غيره من النفس المحرمة بذلك المعنى العام، فشملت الآية من قتل نفسه. قال صلى الله عليه وسلم: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو فى نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فهو يتوجأ بها فى بطنه فى نار جهنم خالداً فيها أبدا" ، وروى أن عمرو بن العاص تيمم وهو جنب فى غزوة ذات السلاسل لشدة البرد وصلى إماماً ولما رجع وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فقال: لم فعلت ذلك؟ فقال: وجدت الله يقول: { ولا تقتلوا أنفسكم }، إن الله كان بكم رحيما، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقل شيئاً، وكان بعض أهل الهند لا يأكلون أياما كثيرة لرياضة النفس ومخالفة الهوى، ولا فائدة فى ذلك، ربما ماتوا، وكان بعض أهل الهند يقتلون أنفسهم لأصنامهم، عشقاً لها ومبالغة فى عبادتها، وشملت الآية ارتكاب ما يوجب القتل كزنى المحصن، والردة، وقتل النفس، فإنه قتل يوجب قتلا قصاصا، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون كنفس واحدة" ، كما قال تأكلوا أموالكم ولا تلمزوا أنفسكم، وكما هو من عموم قوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم { إنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً } فى أمره ونهيه إذ أمر بنى إسرائيل بقتل أنفسهم ونهاكم عن قتل أنفسكم.