خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَٱسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَٰعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي ٱلدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَٱسْمَعْ وَٱنْظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً
٤٦
-النساء

تيسير التفسير

{ مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا } أى نصيرا لكم على الذين هادوا: فمن بمعنى على، أو تضمن نصيرا معنى مانعا، وذلك كقوله عز وجل: { { ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا } [الأنبياء: 77]، وقوله عز وجل: { { فمن ينصرنا من بأس الله } [غافر: 29]، أو ذلك بيان للذين { { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّواضِعِهِ } حال أو نعت لمبتدأ محذوف، خبره من الذين، أى من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم عن مواضعه أى يميلونه عن مواضعه، كتحويل ضفته صلى الله عليه وسلم، والحكم فى التوراة إلى أسود وطويل جدا، أو قصير جدا، وإلى جعد الشعر ونحو ذلك عن عكسه، وإلى الجلد عن الرجم، والتفسير بغير المراد، إلقاء الشبه والمحو، وقوله فى المائدة بعد مواضعه أدل مما هنا على ثبوت مقدار الحكم واشتهارها { وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا } قولك { وَعَصَيْنَا } أمرك ونهيك { وَاسْمَعْ } قولنا أو كلامنا { غَيْرَ مُسْمَعٍ } حال كونك مدعوا عليك بلا سمعت، لموت أو صمم، وفيه إن الإنشاء لا يفاد بالمفرد، وهوغير مسمع إذ ليس جملة اللهم إلا بتوسط السمع، أو حال كونك غير مسمع، دعوا بلا سمعت، فتوهموا أو تجاهلوا أن دعوتهم مستجابة، أو حال كونك غير مسمع كلاما تدعو إليه، فإنا لا نجيبك إليه أو حال كونك غير مسمع لكراهته، أو حال كونك غير مسمع ما تكره، وهذا منافقة، كقولهم، راعنا أو ذلك من التوجيه البديعى، وهو جعل الكلام ذا وجهين كقوله:

خَاطَ لِى عَمْرٌو قِبَاء لَيْتَ عَيْنَيْهِ سَوَاءْ

احتمل أن تبصر العين العوراء وأن تعمى الباصرة لأنه أعور { وَرَاعنَا } اعتبرنا نكلمك ونفهم كلامك ومر فى البقرة،أو كلمة عبرانية أو سريانية بمعنى الحمق، أو أنت راعى ما شيتنا فحذفوا الياء، وذلك شتم { لَيَّا } صرفا، الأصل لويا، قلبت الواو وأدغمت فى الياء { بِأَلْسِنَتِهِمْ } إلى الحق ظاهراً عن الباطل سرا { وَطَعْناً فِى الدِّينِ } أى لأجل اللى والطعن، أو حال كونهم لاوين وطاعنين، أو ذوى لى وطعن، أو حال كونهم ليا وطعناً مبالغة { وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا } كلامك { وَأَطْعنَا } أمرك ونهيك { وَاسْمَعْ } كلامنا { وَانظُرْنَا } كي نفهم { لَكَانَ } قولهم هذا { خَيْراً لَّهُمْ } نفعاً، أو أحسن، أى حسناً، وقولهم السابق قبيح، { وَأَقْوَمَ } أعدل أى عدلا، أو خيراً وأقوم باقيان على التفضيل باعتبار اعتقادهم { وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللهَ بِكُفْرِهِمْ } أبعدهم عن الهدى بكفرهم السابق فالذنب يجلب ذنباً وعقاباً { فَلاَ يُؤْمِنُونَ إلاّ قَلِيلاً } زماناً قليلا، ويرجعون للكفر عناداً، وذلك فى قلوبهم، وفيما بينهم، وفى السر أو إلاّ إيماناً قليلا، وهو إيمان ببعض الرسل وبعض آيات القرآن، ولا ينفعهم، أو أريد بالقلة العدم أى إلا إيمانا معدوما، فهومن أبلغ نفى، كما تقول قلما فعل زيد كذا، تريد أنه لا يفعله ألبتة أو النصب على الاستثناء من الواو، أى قليلا منهم آمنوا أو سيؤمنون.