خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ ظَالِمِيۤ أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي ٱلأَرْضِ قَالْوۤاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ ٱللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَآءَتْ مَصِيراً
٩٧
-النساء

تيسير التفسير

{ إنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ } توفتهم، كما قرأ بعض، قوم مخصصون، انقرضوا، أسلموا ولو يهاجروا حتى ماتوا فى مكلة، أو فى بدر، إذ خرجوا مع المشركين، أو تتوفاهم، فهم على العموم الاستمرارى الماضوى المنزل منزلة الحاضر، بدليل أن الجبر ماض، وهو قالوا، فحذفت إحدى التاءين، ويدل له قراءة النخعى بضم التاء والبناء للمفعول شدوا، وفيت الشىء أخذته، أو المراد من لا يخرج للجهاد، أو كل ذلك { الْمَلآئِكَةُ } ملك الموت وأعوانه، وقيل ملك الموت، وجمع تعظيماً له، وقيل ثلاثة للمؤمنين، وثلاثة للكفار، والتوفى القبض للروح بإذن الله عز وجل، تقبضها الملائكة، وفى أثر بعض أصحابنا الحكم بكفر من قال إن الملائكة تقبضها، وإنما الملائكة تعصرها والله يقبضها، أى يخرجها، قال الله تعالى: { { الله يتوفى الأنفس } [الزمر: 42]، { والله يحيى ويميت } [آل عمران: 156]، وقال: { { يحييكم ثم يميتكم } [الجاثية: 26]، ولا شك أن الله هو خالق الموت والحياة كمانزل، ولا نزاع فى ذلك، إلا أن إطلاق التوفى لا بمعنى قبض الروح جائز لوروده كقوله تعالى: توفته رسلنا، قل يتوفاكم ملك الموت { ظَالِمِى أَنفُسِهِم } بترك الهجرة، ثم بالخروج إلى بدر مع المشركين والقتال معهم، والردة، أخرجهم المشركون معهم إلى بدر غير عالمين بإسلامهم، أو عالمين به قاهرين لهم أو راضين، كقيس بن الفاكه، والحرث ابن زمعة، وقيس بن الوليد، وأبى العاص بن منبه، وعلى بن أمية، ولما رأوا ضعف المسلمين قالوا: غر هؤلاء دينهم فارتدوا، وقاتلوا المسلمين، فقوى الله قلوب المؤمنين وأمدهم بالملائكة، وقيل المراد من لا يخرج إلى الجهاد معه صلى الله عليه وسلم، وقيل المنافقون { قَالُوا } أى الملائكة توبيخاً لهم { فِيمَ } فى أى دين، أو فى أى حال من ضعف أو قوة { كُنْتُمْ قَالُوا } اعتذار بالضعف عن مقاومة المشركين والهجرة، وإعلان الدين ونصره { كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِى الأَرْضِ } أرض مكة ومايليها، فلم نقدر على إظهار الإسلام والعمل به، وعلى ترك الخروج مع المشركين، ومقتضى الظاهر كنا فى استضعاف، أو لم نكن فى شىء، لكن قوى جوابهم بما قال، وطابق قالوا بقالوا { قَالُوا } أى الملائكة تكذيباً، أو إفحاماً لهم، أو توبيخاً، وتقريراً وتكذيباً لأنهم استطاعوا الحيلة واهتدوا السبيل { أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا } إلى المدينة أو الحبشة، كما فعل المسلمون، أو إلى موضع آخر يأذن لكم فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم تقيمون فيه دينكم، جواب الملائكة هذا ظاهر فى أنهم موحدون ظالمون بترك الهجرة ولو كان المشركون أيضاً مخاطبين بالفروع { فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهِمْ جَهَنْمُ } وخبر إن قالوا الأول، والرابط محذوف، أى قالوا لهم، أو جملة أولئك الخ، والفاء لشبه الذين باسم الشرط، إذا حملناه على العموم، وتارك الهجرة مشرك ولو أسلم على الصحيح، وقيل فاسق، والآية دليل على وجوب الهجرة من موضع لا يصل فيه الإنسان إلى إقامة دينه، وهذا مما لا ينسخ، ويندب أن يهاجر، ولو أقام دينه، بعد نسخ وجوب الهجرة، وتجب الهجرة قيل من أرض الوباء { وَسَآءَتْ } جهنم { مَصِيراً } فى الآية جمع بين التمييز وفاعل مستتر عائد إلى غير التمييز، ولا حاجة إلى جعل فاعل ساءت ضميرا عائداً إلى مبهم مفسر بالتمييز، وأنث مع تذكير التمييز، لوقوع التمييز على مؤنث، وتقدير المخصوص هكذا، وساءت مصيراً جهنم أى هو جهنم، وعنه صلى الله عليه وسلم: "من فر بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبراً من الأرض استوجب الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم، ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم
"
.