خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَقَالَ رَبُّكُـمُ ٱدْعُونِيۤ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ ٱلَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
٦٠
-غافر

تيسير التفسير

{ وقال ربُّكُم } العطف على ما قبله عطف قصة على أخرى، ألا ترى أنه لما تمت هذه فى قوله: " { كن فيكون } " [غافر: 68] ذكر ما قبلها بقوله: " { ألم تر إلى الذين يجادلون } " [غافر: 69] المناسب لقوله تعالى: " { إن الذين يجادلون } " [غافر: 56] الخ { ادْعُوني } اسألونى حوائجكم كلها عموما أو خصوصا، ولو ما هو أقل من ملح الطعام، أو شسع النعل إذ لا شىء يستغنى فيه عن الله تعالى، وعن ابن عباس: "الدعاء أفضل العبادة" وقرأ الآية، وعنه صلى الله عليه وسلم: ليس شىء أكرم على الله تعالى من الدعاء" قال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يَدْع الله يغضب عليه" رواه ابن أبى شيبة وأحمد، قال ذلك فى مقام الكلام على الدعاء، فلا يأول بالعبادة.
وقال النعمان ابن بشير: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر:
" "الدعاء هو العبادة" ثم قرأ: { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي } الآية، وعن ابن عباس: " ادعوني أستجب لكم" وحدونى أغفر لكم، وقيل: سلونى أعطكم، ومعنى يغضب عليه هنا تصبه المصائب، وأما من لم يدع الله استكبارا عنه، أو إياسا من الاجابة، فالغضب فى حقه على ظاهره، وأما قول ابراهيم عليه السلام، يوم ألقى فى النار قبل الالقاء أو فى الهواء حين ألقى: " علمه بحالى يغنى عن سؤالى" وقد قال له جبريل: "هل لك حاجة؟" فقال: "احتاج إلى الله" فقال: فادع الله، فقال ذلك، فهو نفس الدعاء، لأنه قال ذلك تضرعا الى الله تعالى، لا توكلا فقط، أو ذلك فى العامة، وأما من أكثر العبادة والذكر، وأستفرغ فيها الوسع، فقد جاء فى الحديث القدسى: " "إني أعطيه أفضل ما يسأل وأكفيه" .
{ أسْتَجب لَكُم } أعطكم ما تسألون، قال الله تعالى: " { فيكشف ما تدعون إليه إن شاء } " [الأنعام: 41] وان لم يعط ادخر له فى الآخرة لدعائه ما هو أفضل، حتى يتمنى لو لم يستجب له فى الدنيا، والتعويض فى الآخرة، من معنى الاستجابة، وقد يعطيه فى الدنيا عوض ما دعا اليه، أو يدفع عنه مضرة، وما لم يستجب فلخلل فيه، فلاشتغال القلب فيه أو فيه قطع رحم أو نحو ذلك، وعنه صلى الله عليه وسلم:" "ما من رجل يدعو الله تعالى إلا استجيب له، فإما أن يعجل له في الدنيا، وإما أن يؤخر له في الآخرة وإما أن يكفر عنه من ذنوبه بقدر ما دعا ما لم يدع بإثم أو قطع رحم أو يقل دعوت فلم يستجب لي" وقيل: عن ابن عباس: ادعونى اعبدونى، فاستجب لكم أثبكم، وفيه أن الدعاء أصله الطلب، فليحمل، عليه فى الآية، ولاسيما مع قوله: { أستجب لكم } فان الاستجابة أنسب بمعنى الطلب، فهذان خروجان عن الأصل اثنان.
ونقول: معنى حديث بشير بن النعمان المذكور آنفا أن الدعاء سؤال وأن السؤال عبادة، ولما جعل الله الجدال فى آيات الله كبرا قابله بالدعاء لأنه خضوع، لأن الداعى ملتجىء الى الله تعالى.
{ إنَّ الَّذين يسْتَكبِرُون عَن عِبادَتي } عن دعائى، قيل: هذا خروج واحد عن الأصل، قلت: بل الدعاء عبادة، فلا مجاز فلا خروج بخلاف تفسير الاستجابة بالاثابة على العبادة لترتبها عليها فانه مجاز أو مشاكلة، وتفسير الدعاء بالعبادة لتضمنها له مجاز من تسمية المحل باسم الحال، أو من تسمية العام باسم الخاص { سيَدْخُلون جَهنَّم داخرين } أذلاء.