خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ
١١
-فصلت

تيسير التفسير

{ ثمَّ اسْتَوى إلى السَّماء } أى توجه ارادته الى السماء، وانتهت اليه بالتدبير، يقال: استوى زيد الى كذا بمعنى أنه قصده، ولا يشتغل بغيره { وهِيَ دُخانٌ } شىء مظلم، وهو قيل: مادة من أجزاء فردة تركب السماء منها، ولست أقول بالجواهر المفردة من حيث شرعت فى فن الكلام، ثم رأيت والحمد لله تعالى بعض المحققين من الحنفية قال كما قلت، ويقال: كان عرشه على الماء، فأحدث الله فيه سخونة، فارتفع زبد ودخان، فخلق الله السماوات من الدخان، وقيل: خلق الله ياقوتة خضراء، فذابت لجلال الله بأمره تعالى، فكانت ماء فأزبد فارتفع منه دخان، فخلق منه السماوات، وله أن يخلق ما شاء مما شاء، ويخلق ما شاء من غير شىء، وليس الدخان دخان نار، لأن النار لما تخلق حينئذ وهب أنها خلقت لكن ليس ذلك دخانها.
وظاهر الآية أن الأرض قبل السماء، وقد قال:
" { والأرض بعد ذلك دحاها } " [النازعات: 30] وهو يدل على تأخيرها، والجواب: أن خلق جرم الأرض متقدم على خلق السماء، ودحوها متأخر، ويجوز أن يكون السماء قبل الأرض فيكون المعنى قضى أن يحدث الأرض فى يومين بعد احداث السماء.
{ فقال لها وللأرض ائتيا } بما أودعت فيكما من المنافع وأحضراه، والأمر للتسخير، وليس المعنى أحدثا، فانه قد ذكر حدوثهما قبل إلا أن يقال الفاء للترتيب الذكرى، فيكون الأمر للتكوين، أو قضاهن سبع سماوات، معطوف على استوى الى السماء فى نية الاتصال، وقال لها وللأرض الخ فى نية التأخير عن قضاهن الخ، والمراد اتيانهما بما فيهما، وذكر الاستواء للسماء ولم يذكره للأرض اكتفاء بأنه قدرها، وقدر ما فيها، وقيل: اتيان السماء حدوثها، واتيان الأرض دحوها، تشبيها للخروج من العدم، ودحوا الأرض بالاتيان من مكان، وقيل: لتأت كل منهما الأخرى فيما أريد منهما أمرا بالمواتاة بمعنى الموافقة، فذلك مفاعلة لقراءة ابن عباس آتيا، وقالتا آتينا بالمد من الايتاء بمعنى الموافقة، وليس بلازم لجواز أن الايتاء فى قراءة ابن عباس المسارعة، كما فسرها ابن جنى، أو بمعنى اعطاء أى أعطيا ما أردت منكما.
{ طَوْعاً أو كَرْها } تمثيل لتأثير القدرة بلا مانع، لأنهما لا عقل لهما ترضيان به أو تكرهان، وأن فرضناه فما هو معتبر، والنصب على المفعولية المطلقة على حذف مضاف، أى اتيان طوع أو كره، أو على الحالية بالتأويل بالوصف، أى طائعتين أو كارهتين، أو بتقدير مضاف، أى مصاحبتى طوع أو كره، وهكذا اترك أنت ونحن تقدير ذى بمعنى صاحب فى مقام التأويل بالوصف، ونقدر لفظ مصاحب مكان تقدير ذى لأن ذا ليست وصفا، بل تأول بالوصف { قَالتَا أتيْنا طَائعينَ } الجمع لأن الاثنين جمع مجازا، أو لأن الأرض أرضون، والسماء فى ضمن سماوات، وكونه بصيغة العقلاء لخطابهن خطاب العقلاء، وجواتهن جوابهم اذ وصفتا بالقول، أو لأن لهن عقلا خلقه الله تعالى لهن حينئذ، والأصل أتينا طائعات، واختير التذكير لما ذكر، فانه يعتبر التأنيث فى مقامه، ولو كان بحسب اللفظ، كما لو كان بحسب المعنى، تقول: قالت الهندان: نحن قائمتان، وقالت الهنود: نحن قائمات أو قوائم، وقولهما تمثيل للتأثر بالقدرة التامة من الله عز وجل، أو حقيقة بأن خلق الله لهما عقلا ففهمتا ونطقتا، وبه أقول، لأنه ظاهر الكلام بلا مانع، وفيه اظهار قدرته تعالى بانطاق الجماد، فيقابل ما فى الأرض من البلاغة، وقد زعم أن للجمادات عقولا مستمرة وهو خطأ.