خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ
٥٣
أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَآءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ
٥٤
-فصلت

تيسير التفسير

{ سَنُريهم آياتنا } أى الفتوحات الدالة على قوة الاسلام وأهله، ووهن الكفر وأهله، بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه { في الآفاق } جمع أفق بضم فاسكان أو بضمتين أو فتحتين، وهو الناحية أى فى المغرب والمشرق، والجنوب والشمال، والمراد نرى من حيى منهم أو من حيى ومن مات، بأن يخبر فى قبره بفتح البلاد، وظهور الاسلام { وفي أنْفُسِهِم } فى بلاد العرب، كأنه قيل: وفى بلادهم ولم يصرح باحدى العبارتين، بل قال: { في أنفسهم } لأنه أدل على تمكين النصر، وتلويحا الى انهاء آيات بالنسبة الى الأنفس، ولو كانت فى الأرض والقرى والمدن، وقيل الآفاق ما حول مكة وغير ذلك كخيبر، وفى أنفسهم فتح مكة.
وقال الضحاك: فى الآفاق ما أصاب الأمم، وأنفسهم ما أصابهم يوم بدر، ولا يعترض ذلك بأنهم قد رأوا مدن الأمم المهلكة قبل نزول الآية هذه، لأنهم رأوا خرابها، ولم يعلموا أنه لتكذيبهم الرسل فقال الله عز وجل: { سنريهم } إنه للتكذيب لعلهم يخافون الهلاك، فيتركوا التكذيب، وأن الآية مقدمة فى النزول قبل ما فيه بيان أنه للتكذيب من هذه السورة مؤخرة الوضع، لكن هذا خلاف الأصل. وقال عطاء: الآفاق أقطار السماء والأرض أراهم الشمس والقمر، والكواكب والرياح والجبال وغيرها، فى أنفسهم لطيف الصنع فى خلقتهم على صورهم، ويبحث بأنهم علموا صورهم وعلموا السماء والأرض، والشمس والقمر، والجبال وما ذكر، وعلموا أن الله تعالى خلقها قبل نزول الآية، فيجاب: بأن الله تعالى ينبههم على حكم تفاصيل كونهم نطفا، ثم علقا، ثم مضغا الخ فإن السماء وما معها دلائل، وكذا النطف ونحوها.
{ حتَّى يتبيَّن لَهُم } بوقوع ما فيه من الأخبار على طبقها { أنه } أى القرآن، وقيل: الدين، وقيل: التوحيد، وقيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأول أولى وقيل: الله عز وجل { الحقُّ } المثبت المصرح بالغيوب الصادق فيها على الدين كله، ولو كره المشركون، وإنما الحق هو لا ما خالفه، وقوله: { سنريهم } الخ متعلق بقوله:
" { قل أرأيتم } " الخ لتضمن كل منهما الحث على النظر المؤدى الى المطلوب { أو لم يَكُف بَربِّك } إنكار وتوبيخ لهم على انكارهم أنه سيريهم الآيات فى الآفاق وفى الأنفس، وعلى الحذف يقدر أيحبون زيادة الاكثار ولم يكف بربك، والباء صلة، ورب فاعل أو يقدر أأنكروا إرادة الآيات فى الآفاق وأنفسهم، ولم يكف ربك { أنَّه عَلَى كلِّ شيءٍ شَهيدٌ } فى تأويل مصدر بدل اشتمال من رب أى ألم تكفهم فى تحقق الإراءة شهادته سبحانه وتعالى، واطلاعه على كل شىء من الأشياء، ومنها حالك وحالهم، واطلاعه على كل شىء ولو أنكروه، أو شكوا فيه أو لم يخطر لهم شىء ظاهر فنزل لهم منزلة ما علموه وأقروا به.
وقيل: المصدر على تقدير الباء، أى أو لم يكف ربك بأنه على كل شىء شهيد: أى بشهادته، ومفعول يكف محذوف، أى لم يكفهم ربك، وقيل المعنى أو لم يغنهم ربك عن اراءة الآيات أنه شهيد على جميع الأشياء، وقد أخبرك أنه من عنده، فهو من عنده حقا، لأنه عالم بجميع الأشياء وهو من جملتها، ويبحث فيه بأنهم لم يسلموا أنه تعالى أخبره، وقيل: المفعول ضمير رسول الله صلى الله عليه وسلم أى أو لم يكفك أنه تعالى على كل شىء شهيد، وقد أخبرك أن القرآن منه، ويبحث بأن هذا خطاب من تردد، والرسول لم يتردد، قيل: وبأنه يلائم قوله تعالى:
{ ألا إنَّهم في مِريةٍ } أى شك عظيم { من لقاءِ ربِّهم } ولا يلزم عدم الملائمة، لأنه كلام مستأنف على هذا، ويصح أن يقال: أو لم يكفك بربك أنه على كل شىء شهيد، وقد أخبرك أن القرآن منه، على أن الخطاب لغيره صلى الله عليه وسلم ممن يصلح للخطاب، ولقاء ربهم احياءهم بعد الموت للحساب والجزاء والله أعلم. { ألا إنَّه بكُل شيءٍ مُحيطٌ } فكيف يخفى عنه عمل، فلا يجازى عليه كمريتهم فى لقاء ربهم، فكيف يخفى عليه الأجزاء المتفرقة فلا يبعثها، والله أعلم.