خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَاطِرُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَمِنَ ٱلأَنْعَامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ
١١
-الشورى

تيسير التفسير

{ فاطرُ السَّماواتِ والأرض } فاطر خبر رابع اذا جعلنا عليه توكلت خبرا، فيكون من الأخبار بالمفرد بعد الجملة، والأولى خلافه فالجملة معترضة، أو يقدر مبدأ أى هو فاطر، أو بدل من ربى { جَعَل لَكُم من أنفسِكُم } من جنسكم الآدمى { أزواجاً } نساء للوطء والولادة وسائر المنافع { ومن الأنعام } لكم عطف على من أنفسكم { أزواجاً } عطف على أزواجا ذكورا واناثا، لتنتفعوا بالأكل واللباس والحمل وغير ذلك، وذلك من العطف على معمولى عامل، وكذا إن قلنا: المعنى جعل من الأنعام أزواجاً للتوالد بين ذكورها واناثها، كما جعل لكم نساء فالذكر منها مطلقا كالزوج للأنثى، أو أزواجا ذكوراً وإناثا كما فى سورة الأنعام، وهى لا تتزوج كما تتزوج الطيور.
{ يَذرؤكُم } يكثركم، وقال ابن عباس وغيره: يجعل لكم معيشة ورزقا، وعن مجاهد يخلقكم نسلا بعد نسل { فيه } أى فيما ذكر التدبير بجعل الأزواج منكم ومن الأنعام، وقيل: الضمير للجعل المفهوم من جعل، وفى للظرفية أى فى خلال ذلك وفى أثنائه فهو كالمنبع للكثرة، ويجوز أن تكون للسببية، وقيل: الهاء للبطن المدلول عليه بالمقام، وفى للظرفية، والخطاب للعقلاء فقط، فلا تغليب لخطابهم فى غيبة الأنعام ولا للعقلاء عليها، كما يقول من ادعى: ان الخطاب لهم ولها.
{ لَيسَ كمثله شيءٌ } ما من الأشياء فلا تزواج بينه وبين غيره كما تزاوجتم وتزاوجت الأنعام، ولا مشاركة لغيره فى شأن من الشئون التى منها التدبير البديع السابق، ومثله ذاته التى لا تكيف، لكن عبر بما يفيد نفى المماثلة عن مثل مثله، لو كان له مثل فكيف عنه بطريق المبالغة أو لا مثل له فى نفس الأمر، والعرب تقيم المثل مقام نفس الشىء كقولهم مثلك لا يبخل، أى أنت لا تبخل إلا أنه عبروا بما أفاد انتفاء البخل، وأنه من جماعة لا يبخلون، وهو أبلغ من قولك: أنت لا تبخل، وقيل المثل الصفة، وكذا شىء ليس كصفته صفة، وقيل الكاف زائدة للتأكيد، وهو أولى من القول بزيادة المثل، ولو كانت هى المتقدمة، لأن زيادة الحرف أولى من زيادة الاسم، والمماثلة تكون فى الذاتيات وفى العوارض نحو الفرس مثل الانسان فى الحيوانية، ومثله فى الحركة والأكل والشرب، ويجوز أن يكون المراد نفى المثل عنه تعالى بمعنى أنه لو كان له مثل لكان مثل ذلك المثل، كقولك: ليس لأخى زيد أخ أى لا أخ له، إذ لو كان له أخ لكان لذلك الأخ أخ، وهو زيد، وذلك من نفى الشىء بنفى لازمه، لأن نفى اللازم يستلزم نفى الملزوم.
{ وهُو السَّميعُ البَصِيرُ } العليم بالأصوات وغيرها من الأجسام والألوان والأعراض والأطوال وغير ذلك، مما يدرك بالبصر، تعالى الله عن الحواس، أو البصير العالم بالموجودات مطلقا كما قال الله تعالى:
" { والله بما تعملون بصير } " [البقرة: 265] وهكذا الوجهان، كلما ذكر سمعه تعالى وبصره معا، وقدم نفى المثل على طريق تقديم التخلى على التحلى، وهو أهم بنفسه وبالنظر الى المقام، سبحانه عن كل نقص.