خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

تَكَادُ ٱلسَّمَٰوَٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِن فَوْقِهِنَّ وَٱلْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَن فِي ٱلأَرْضِ أَلاَ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ
٥
-الشورى

تيسير التفسير

{ تكَادُ السَّماوات يتفطَّرن } يتشقفن من عظمة شأن الله تعالى، أو من ادعاء الشريك والولد، ويدل له ما فى سورة مريم " { تكاد السماوات يتفطرن منه } " [مريم: 90] ويناسبه قوله تعالى: " { والذين اتخذوا من دونه أولياء } " [الشورى: 6] وأما قوله تعالى: { ألا إن الله هو الغفور الرحيم } فلا يدل على أن المراد التفطر بدعاء الولد والشريك، من حيث إنه كلام يستوجب العذاب عاجلا، فأخر عنهم لأنه غفور رحيم، لأنا نقول ذلك صورة تستدعى الاجتراء على ادعاء الولد والشريك بلا توبة، لأنه لم يذكر التوبة، ولو قيل لك: فلان يشرك بالله، فقلت: الله غفور رحيم، لم يحسن جوابك، لأنك لم تذكر التوبة، لا ذكرها القائل.
وعلى التفسير بادعاء الولد والشريك تكون الآية تنزيها بعد إثبات المالكية والعظمة، ويبحث بأن المقام لبيان عظمة الله عز وجل، والتنزيه، ولو دل على العظمة ليس مصرحا به،وانما هو فى ضمن متعلق يتفطرن، وانما لم يقل تتفطرن بتاء التأنيث والغيبة، لأن العرب لا تجمع بين علامتى تأنيث فى كلمة، أو ما هو كالكلمة الواحدة، ويتفطرن كالكلمة الواحدة مثل: يتربصن، ويرضعن إلا قليلا، كما قرىء تتفطرن بتاءين، وتنفطرن بالتاء والنون، وأما قامت الهندات فليست فيه داخلتين على كلمة، ولا على ما كالكلمة الواحدة.
{ مِنْ فوقِهنَّ } من سطحهن الأعلى، لأنه المقابل لعظمة العرش والكرسى والملائكة، وهم أعبد من المؤمنين، وأبعد عن المعاصى، ولاعتبار ذلك لم يقل: من تحتهن، مع أنه سبب التفطر من تحت، وهو العصيان، أو للمبالغة بحيث بدأ التشقق من فوق، أو المراد يتشققن من فوقهن، فكيف من تحتهن، ومن للابتداء يبتدئن التفطر من أعلاهن أو من جهة الفوق، فمن سببية لأن العرش والكرسى سبب، وإذا تفطرن من فوقهن بذلك، فأولى أن يتفطرن من تحتهن، لما تحتهن من ادعاء الولد والشريك، ويبعد أن الهاء للأرضين المعبر عنهن بالأرض، على أن يراد بها الجنس، لأنه خلاف الظاهر، ولأن الفوقية على هذه الأرض فوقيه على ما تحتها، ولا داعى الى اعتبارهن هنا، ويبعد كونها لجماعة الكفار، أى يتفطرن لكلامهم الباطل، لأن ذلك خلاف الظاهر، ولأنه لم يجر لهم ذكر.
{ والملائكة } مبتدأ خبره ما بعده، أو معطوف على نون يتفطرن وما بعده حال، والأول أولى، لأن الثانى يئول الى قولك: يكاد السماوات تتفطر الملائكة { يسبِّحونَ } ينزهون الله عما لا يليق به، وقيل: يصلون { بحمْد ربِّهم } كلهم، وقيل: المراد هنا حملة العرش { ويسْتغفِرونَ } يطلبون مغفرة الذنوب، وقيل: يشفعون { لمَن في الأرض } من المؤمنين، كما قال الله عز وجل:
" { ويسْتغفرون للذين آمنوا } " [غافر: 7] الى " { فاغفر للذين تابوا } " [غافر: 7] الخ، وقيل: لمن فى الأرض كلهم بمعنى يدعون لهم بالهداية، ويسعون فى اسباب المغفرة كالإلهام والاعانة فى بعض أمور المعاش، وسؤال الرزق لهم، ودفع العوائق، وطلب تأخير العقاب، ليؤمن المشرك، ويتوب الفاسق، أو يسعون فيما يدفع الحال فيشمل الحيوان { ألا إنَّ الله هُو الغَفُور الرَّحيمُ } لا مكلف إلا وله حظ عظيم من المغفرة والرحمة، فضيعه من ضيعه بالاصرار " { وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم } "[الرعد: 6] لا يتعاظمه ذنب التائب، فقد استجيب دعاء الملائكة.