خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا ٱلْكِتَابُ وَلاَ ٱلإِيمَانُ وَلَـٰكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
٥٢
-الشورى

تيسير التفسير

{ وكَذلكَ } فعل ذلك الايحاء البديع المذكور، أو الايحاء الى من قلبك، أو أنواع الوحى التى ذكرت فى الآية قبل { أوحَينا إليك رُوحاً } أمرا عظيما فى الدين يشبه روح الانسان فى الحياة، وهو غير القرآن، وقيل: القرآن الذى هو للقلوب بمنزلة الروح للأبدان، وقد قيل: أوحى الى النبى صلى الله عليه وسلم فى المنام كابراهيم، وفى اليقظة بلا ملك كزبور داود، وذكر بعض أن الله عز وجل أوحى اليه القرآن جملة من غير تفصيل قبل مجىء جبريل، ثم كان جبريل يأتى به مفصلا شيئا فشيئاً، وعن ابن عباس رضى الله عنهما: الروح النبوة، وقيل: الروح جبريل على تضمين أوحينا معنى ارسلنا، وقيل: ملك أعظم من جبريل وميكائيل، لا يفارقه صلى الله عليه وسلم، والقولان ضعيفان، والأخير أضعف، وذلك للاحتياج الى التضمين فيهما، ولقوله من أمرنا، لأنه أمر من الأمور لا يطلق على الذوات، وكذا لا يناسب قوله تعالى:
{ ما } نافية { كُنْت تَدري ما الكتابُ ولا الإيمانُ } بل يناسب المعانى جملة ما الكتاب سدت مسد مفعولى تدرى استفهامية، أما الكتاب وهو القرآن أو الجنس، فقد كان لا يدريه، وأما الايمان فلا يتصور أنه لا يدريه إذ لا يكفر بى ولا يعصى قبل البلوغ، ولا قبل الايحاء، ولا بعدهما، فالمراد بالايمان التوحيد والأعمال الصالحات من نفل وفرض، ومنها ترك المعاصى، ولا شك أن مجموع هذا لا يدريه، بل يدرى بعضه وهو التوحيد وما يتبعه، ولا يدرى تفاصيل الايمان وهومقدور فى البعض الآخر، حتى يأتى الوحى به، أو المراد ما كنت تدرى بمجموع الايمان الذى هو التوحيد، ورسالة نفسك حتى أرسل اليك، بل ببعض ذلك وهو توحيد الله عن الشريك، أو المراد ما لا يعلم من الشريعة الا بالوحى من بعد توحيد الله، أو يقدر مضاف أى ولا دعوة الايمان، أى لا تدرى كيف تدعو الناس اليه، أو الأعمال، ولكن الاصل أن لا يطلق الايمان على العمل وحده، أو ما كنت تدرى أهل الايمان، أى لا تدرى من الذى يؤمن.
قيل أو ماكنت تدرى مجموع الكتاب والايمان، بل الايمان وحده وهو التوحيد، ويرده أنه لو أريد ذلك لقيل والايمان بدون لا، وقيل ما كنت تدرى اذ كنت فى المهد وهو ضعيف، وقريب، منه أنك كنت لا تدريهما، بل دريت الإيمان بالالقاء فى الروع، والكتاب بالوحى، وكان على دين ابراهيم قبل البعثة اجمالا، وببعضه تفصيلا، يوحد الله تعالى، ويبغض الأصنام، ويحج ويعتمر، ولا يأكل ما ذبح على النصب، وفسر بعضهم الايمان بالصلاة كقوله تعالى:
" { وما كان الله ليضيع إيمانكم } " [البقرة: 143] أى صلاتكم، ولم تزل العرب تتمسك ببقية دين ابراهيم كالحج والختان، وايقاع الطلاق، وغسل الجنابة، وتحريم ذوات المحارم بالصهر والنسب، والتقرب بالذبح.
{ ولَكن جعلناهُ } أى الروح الذى أوحينا اليك، أو الكتاب أو الايمان لقربه، أو الكتاب والايمان، والافراد بتأويل ما ذكر، ولأن مقصدهما واحد نظير الهاء فى قوله تعالى:
" { والله ورسوله أحق أن يرضوه } " [التوبة: 62] { نوراً } عظيما { نُهدي بهِ مَنْ نشاءُ من عِبادنا } هدايته من الضلال هداية توفيق { وإنَّك لَتَهْدي } لذلك النور هداية بيان للسعداء والأشقياء، أو هدى توفيق من نشاء هدايته هداية توفيق، وأما الأشقياء فهدايتهم بالبيان كلا هداية، الا أن لك الثواب عليها { إلى صراطٍ مُسْتقيمٍ } التوحيد وسائر الشريعة.