خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ
١٣
-الزخرف

تيسير التفسير

{ لتَسْتوواْ } تستقروا { على ظهوره } اللام للتعليل، ولا يجوز صرفها مع امكان بلا ضعف إلى الصيرورة، وليست لام الأمر، لأن المقام للتعليل لا الأمر، ولا يتبادر الأمر، ولأنه يلزم عليه أمر المخاطب باللام فى ثلاثة مواضع: تستووا، وتذكروا، وتقولوا، مع أنه قليل الورود، ولغة رديئة لا جيدة، كما قال الزجاج، وشاذ فى القرآن مثل: فلتفرحوا بالتاء فى قراءة، وورد فى الشعر كقوله:

لتقم أنت يا ابن خير قريش

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: " لتأخذوا مصافكم" فالتحقيق أن رواة الحديث قد لا يحسنون العربية، فلا يحتج بهم، ولو كانوا ثقاة فى المعنى، فنقول: رووه بالمعنى، ولو رجح الاحتجاج بهم الجمهور، ألا ترى أنهم يقولون: مثنى مثنى، ويقرنون خبر كاد، ولا يكادون يتركون ذلك الى غير ذلك مما لا يقبل فى العربية، وليس ذلك منهم شذوذا، بل يكثرونه، ويلتزمونه، فعلمنا أن ذلك خلل منهم، والهاء فى ظهوره عائدة الى ما باعتبار اللفظ، والظهور ظهور الفلك، وظهور الأنعام، وهى المغلبة حتى نسب الظهور للفلك، والجمع باعتبار معنى مَّا.
{ ثمَّ تّذكروا نعْمة ربِّكم إذا اسْتَويتُم عَليْه } أى على ما تركبون مراعاة للفظ ما اذا أفرد، وذكر النعمة استحضار أن الله علينا بها، والخضوع لله لأجلها بالقلوب، أو مع اللسان، واذا فسرنا الذكر بذكر القلب، كان معه اللسان، أو لم يكن لم نحتج الى الجمع بين الحقيقة والمجاز، ولا الى التأويل بعموم المجاز، وذكر اللسان بلا حضور قلب لا يعد ذكرا، والذكر حقيقة فى اللسان، ولو لم يحضر القلب لكن لا ثواب ان لم يحضر إلا إن كان عدم حضوره عن غلبة، وكذلك تستغنى بما ذكرت عن دعوى استعمال المشترك فى معنييه، ان قلنا: الذكر حقيقة فى القلب، وحقيقة فى اللسان.
{ وتقُولُوا } عند إرادة الركوب للسفر، أو غيره كما يركب الانسان دابته كل يوم الى جنته، أو محرثه قولوا ذلك متعجبين تعجب استعظام بألسنتكم، مع قلوبكم { سبحان الَّذي سَخَّر لنا } ذلل لنا { هَذا } أى هذا المركوب من سفينة أو دابة، وقيل: يقول راكب السفينة بسم الله مجراها ومرساها ان ربى لغفور رحيم، وعند النزول منها: اللهم أنزلنا منزلا مباركاً وأنت خير المنزلين، وأما قول الحسن بن على لقائل عند الركوب: سبحان الذى سخر لنا هذا، انما امرتم أن تقولوا: الحمد الله الذى هدانا للاسلام، الحمد لله الذى منَّ علينا بمحمد صلى الله عليه وسلم، الحمد لله الذى جعلنى فى خير أمة أخرجت للناس{ سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين } ان صح عنه ذلك، فليس تفسيرا لاسم الاشارة، بل زيادة منه.
والاشارة إنما هى للمركوب كما زاد ابوه على إذا قال حال الركوب واستواؤة: الحمد لله ثلاثا، والله أكبر ثلاثا " سبحان الذى يسخر لنا هذا" الى " منقلبون" سبحانك لا إله إلا أنت، قد ظلمت نفسى فاغفر لى ذنوبى، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك فقيل: مم ضحكت يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما فعلت، ثم ضحك فقلت: يا رسول الله مم ضحكت فقال:
"يتعجب الرب من عبده إذا قال رب اغفر لي، ويقول: علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري" رواه الترمذى، وأبو داود والنسائى، وتعجبه تعالى استعظامه لشىء، ويروى أنه تعالى يقول: " علم أن له ربا يغفر الذنب" وروى مسلم، وأبو داود، والترمذى، عن ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم اذا استوى على بعيره خارجا الى سفر، حمد الله تعالى وسمى وكبر ثلاثا، وقال: { سبحان الذي سخر } الى { منقلبون } وزعم شهر بن حوشب أن الاشارة الى الاسلام.
{ وما كُنَّا له مقرنينَ } مضيقين، ولولا أن الله سخر لنا الدواب والفلك، لم ننتفع بهن، واصله من أقرنته وجدته قرينى، أو جعلته قرينى كان قوم مسافرون اذا ركبوا قالوا: { سبحان الذي } الى { منقلبون } وقال رجل منهم: أما أنا فمقرن لناقتى هذه، فركبها فصرمته واندق عنقه، وجقته بأرجلها ومات.