خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ
٣٧
-الدخان

تيسير التفسير

{ أهُم خيرٌ } فى القوة والمنعة { أمْ قوم تبع } تبع الأكبر، قال ابن عباس: تبع الأخير أبو كرب أسعد بن مليك، وقوم تبَّع أشد قوة ومنعة، أهلكناهم حين كفروا ولم تعجزنا قوتهم ومنعتهم، واسمه أسعد أو سعد قولان، وكنيته أبو كرب، وهو من أهل اليمن سمى تبعا لكثرة أتباعه، وهو اسم لمالك اليمن كالخليفة فى الاسلام، روى قومنا، عن ابن عباس، عائشة رضى الله عنهم: أنه رجل صالح ألا ترى أنه تعالى ذمَّ قومه ولم يذمه، قال سهل بن سعد الساعدى، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تسبوا تبعا فانه أسلم" كما فى مسند أحمد، وكذلك روى عن عائشة إلا أنها روت: فانه كان رجلا صالحا، ويروى لا أدرى أنبى هو، ويروى لا أدرى أهو ذو القرنين، أى ثم درى أنه غير نبى وغير ذى القرنين، وصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه صلاة الجنازة فى المدينة، كما صلى على البراء بن معرور حين قدم اليها بعد موته بشهر.
الصحيح أنه غير نبى الى المشرق وبنى الحيرة وسمرقند، ورجع من المشرق فدخل المدينة، وخلف ابنه فيها فوجده مقتولا غيلة فعزم على تخريبها، وكانوا يقاتلونه نهارا ويطعمونه ليلا فقال: انكم كرام، فقال له اليهود: لا تقاتلهم فانها مهاجر نبى آخر الزمان من قريش، اسمه محمد صلى الله عليه وسلم، ليس بالطويل ولا بالقصير، فى عينه حمرة، يلبس الشملة، ويركب البعير، سيفه علت عاتقه، لا يبالى بمن لاقى حتى يظهر أمره، يولد بمكة، وقيل: قال له ذلك حبران من قريظة، هما ابنا عمين: أحدهما كعب، والآخر أسد، وقالا: انه ياتى من مكة ويقاتله قومه هنا فآمن به، وبنى له دارا، وكتب كتابا انى آمنت بك وبما جئت به، وأنا على ملتك ملة أبيك ابراهيم، فاشفع لى يوم القيامة، وجعل الدار والكتاب فى يد عظيم الأوس والخزرج، حتى وصلا أبا أيوب الأنصارى من ذرية عظيم الأوس والخزرج، ولما هاجر صلى الله عليه وسلم دفعهما له، فقد نزل فى دار نفسه وفى الكتاب:

شهدت على أحمد أنه رسول من الله بارى النسم
ولو مد عمرى الى عمره لكنت وزيرا له وابن عم

أى كابن عم، وقبل إسلامه أراد هدم الكعبة، فقال له أحبار أسرهم من الشام: لا تفعل فانها بيت الله سبحانه وتعالى: فانك تهلك، ولن تسلط عليه، وانه بناء أبينا ابراهيم خليل الله، قال: فلم لا تأتونه؟ قال: لأنهم يعبدون الأصنام وينجسونه بالدم من الذبائح، فأحرم ودخل مكة،وطاف بالكعبة، ونحر وحلق رأسه، وأقام ستة أيام، وقيل سنة، يطعم الناس ويسقيهم العسل، ويروى ذبح ستة آلاف بدنة، وهو اول من كساها، وأوصى بها ولاته من جرهم، وأن لا يقربها حائض ولا ميتة ولا دم، وجعل لها بابا ومفتاحا.
وقال له رجال من هذيل: تحت الكعبه، كنز من ذهب وفضة ولؤلؤ وزبرجد، يريدون أن يهدمها ليهلك فكذبهم الأحبار، ودلوه على فضله، وقتل هؤلاء الهذليين، وقطع أيديهم وأرجلهم، وسمل أعينهم، وصلبهم ولما دنا من اليمن حالت حمير بينه وبين دخول اليمن، لأنه خالف دينهم وقال: دينى خير من دينكم، فحاكموه الى نار تخرج من أسفل جبل تأكل المبطل فخرجت فأكلت أصنامهم التى أحضروها وما قربوا معها واياهم، وما أصاب الحبرين، وقد أخذهما معه الأعراف فأسلموا، آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم قبل بعثه بسبعمائة سنة وقيل بألف، وعن ابن عباس: أنه حج وآمن بعيسى وما جاء به وقد يجمع بأنه آمن به قبل وجوده، وقيل: اسعد المذكور هو تبَّع الأوسط، وعنه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة، فقد يجمع بين تقدم ايمانه بسبعمائة، وتقدم ولادته بألف عام، بأنه آمن آخر عمره، وتبع اسم لمن ملك اليمن مطلقا، وقيل: بشرط أن تكون له حمير وحضرموت وقيل هما وسبأ، وسمى تبعا لأنه متبوع، أو لأن ملوك اليمن بعضها يتبع بعضا،كما قيل للظل: تبع، لأنه يتبع الشمس، وعليه فأولهم لا يسمى تبعا، وأما بمعنى متبوع بالجنود فيسمى أولا، وبالملوك فحتى يملك بعده اثنان أو ثلاثة، وهم ستة وعشرون، فى الفين وعشرين سنة، وقيل فى ثلاثة آلاف عام، واثنين وثمانين عاما.
{ والَّّذينَ مِن قبلِهِم } قبل قوم تبع، أو قبل أهل مكة، فهو أعم من الكفار كعاد وثمود، عطف على قوم تبع { أهلكناهم } مستأنف لبيان عاقبة أمرهم، وفيه تهديد لكفار قريش، وعلل اهلاكهم بقوله تعالى: { إنَّهم كانُوا مُجرمين } كافرين أنكروا البعث.