خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

ٱللَّهُ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ ٱلْبَحْرَ لِتَجْرِيَ ٱلْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
١٢
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَٰتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ
١٣
-الجاثية

تيسير التفسير

{ الله الذي سخَّر لكُم البَحر } لا تذهب الخشب المجوفة، ولا الخشب المتخللة الى أسفله { لتجْري الفُلْك فِيه بأمره } بتسخيره تعالى اياه، وتسخيره أمر من أموره، وقيل: بتكوينه كقوله تعالى: " { إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون } " [يس: 82] وهذا على وجه أو باذنه وارادته، ولا يخفى أن الممتن به جريان الفلك فيه، وهم فيها، أو هم وأموالهم بلا تجر، أو به فهو أعم من قوله: { ولتَبتغُوا } السير فيه { مِن فَضله } بالتجر، وأخص منه من حيث ان الابتغاء من فضله يشمل الصيد والغوص لنحو لؤلؤ وغير ذلك، وذكر التسخير وما بعده تتميم للتفريع، كما يدل له ذكر الأغراض العاجلة المستوجبة للشكر كما قال: { ولعلَّكم تشْكُرون } كى تشكروا نعمة التسخير، وما ذكر، وكأنه قيل: تلك الآيات أولى بالشكر، ولذا عقب بما يعم العاجلة والآجلة وهو قوله:
{ وسخَّر لَكم ما في السَّماوات وما في الأرض } من المنافع الظاهرة والخفية، إذ ذكر التفكر بعد، وهو ملاك الأمر { جميعاً } حال من ما فى الموضعين، أو توكيد أى جميعها { منْه } حال من ما فى الموضعين، أو متعلق بسخر فيكون فيه عمل عامل واحد فى ضميرين لشىء واحد، وأنت خبير بجواز ذلك، اذا كان ذلك بحرف جر، روى الطبرانى: أن ابن عباس رضى الله عنهما قال فى تفسير ذلك: كل شىء من الله تعالى، فمعنى قول عكرمة: ان ابن عباس لم يفسرها أنه لم يبسط الكلام فيها، ويحتمل أن عكرمة لم يبلغه هذا التفسير، وسأل رجل عبد الله بن عمرو بن العاص: مم خلق الله الخلق؟ قال: من الماء والظلمة، والنور والريح والتراب، قال: فمم خلق هؤلاء؟ قال لا أدرى، وسأل الرجل عبد الله بن الزبير فقال كذلك، فسأل ابن عباس فقال: من الماء والنور الخ قال: فمم خلق هؤلاء؟ فقل: { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه }.
وظهر لى فى قول ابن عباس أنه أراد منعه من التسلسل، وأنه ان خلق هؤلاء من شىء، أو تتابعت أشياء فانها تنتهى الى شىء لم يخلقه الله تعالى من شىء، أو أراد أن كل شىء مستأنف من الله سبحانه ولو ذكر له الخلق من تلك الأشياء مؤانسة له، ومجاراة، وعاد الى التحقيق بأن الله لا يحتاج الى شىء يخلق منه شيئا، ولكن اقتضت حكمته التولد، والأسباب، وهو خالق لهما، ولا جزاءهما، وهما مستقلين، فكأنهما لم يكونا، وعن ابن عباس: كل ذلك رحمة منه وقيل كل ذلك تفضل منه واحسان، وعليهما فمنه خبر لمحذوف والمشهور أنه متعلق بسخر أو بمحذوف حال من ما فى الموضعين قيل: أو نعت لمصدر أى تسخيرا منه، وهذا يغنى عنه تعليقه بسخر { إنَّ في ذلك } المذكور من التسخير وما بعد { آياتٍ } كثيرة عظيمة { لقومٍ يتفكَّرون } فى خلقه، فيهتدون الى الايمان والايقان والشكر، ومن تفكر فى الله سبحانه أداه فكره الى تشبيهه بخلقه فيشرك.