خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَيَوْمَ يُعْرَضُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ عَلَى ٱلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَـٰتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ ٱلدُّنْيَا وَٱسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَٱلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ ٱلْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ
٢٠
-الأحقاف

تيسير التفسير

{ ويَوم } متعلق بقول محذوف عامل قوله: { أذهبتم طيباتكم } الخ أى ويقال لهم:{ يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم } الخ أو نقول لهم: { يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم } الخ { يُعْرض الذين كَفروا عَلى النَّار } أو هذا أعم، والأصل فى المعروض عليه أن يكون مدركا قابلاً للمعروض المنتقل الى المعروض عليه، أو المتحرك اليه، فيقبله أو يدره، فاما أن تكون نار الآخرة مدركة كالحيوان، أو العاقل كما قيل: أو تنزل منزلة الاقل فتقبل الكفرة فلا حاجة الى ادعاء بعضهم القلب هكذا الأصل تعرض النار على الذين كفروا، ولم يحسن القلب لأنه ضرورى أو شاذ أو لما كان المعروض فى الأصل يتحرك أو يحرك الى المعروض عليه، وهنا لا يتحرك عن موضعه، وهو النار، نزل منزلة المعروض عليه، الذى يبقى فى محله، فيعرض عليه غيره، ومن القلب عرض الناقة على الحوض إلا بهذا الاعتبار، بأن ينزل الحوض منزلة المعروض عيله، اذا لا ينتقل.
وقال ابن السكيت: ان عرضت الحوض على الناقة مقلوب، والأصل عرضت الناقة على الحوض، وهو خلاف المشهور، واختار السيالكوى محشى شرح المواقف: أن كلا من ذلك غير مقلوب، وأن العرض اظهار شىء لشىء.
{ أذهبْتُم طيباتكم في حَياتِكُم الدنيا } باستيفائها، مر حديث البخارى ومسلم أو بعضه،
"أن عمر دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا هو متكىء على رمال حصير قد أثر فى جنبه، فقلت: أستأنس يا رسول الله، قال: نعم فجلست فرفعت رأسى فى البيت، فوالله ما رأيت فيه شيئا يرد البصر الا أهبة ثلاثة أى جلودا، فقلت: ادع الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم، ولا يعبدون الله، فاستوى جالسا ثم قال: أفى شك أنت يا ابن الخطب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم فى الحياة الدنيا فقلت استغفر لى يا رسول الله" ، وفى البخارى: أن عبد الرحمن بن عوف أتى بطعام، وكان صائما فقال: قتل مصعب بن عمير، وهو خير منى، فكفن فى بردة ان غطى رأسه بدت رجلاه، وان غطيت رجلاه بدا رأسه.
قال ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وأراه قال أيضا: قتل حمزة وهو خير منى، ولم يوجد ما يكفن فيه الا بردة، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، وقد خشيت أن تكون عجلت لنا طيباتنا فى حياتنا الدنيا ثم جعل يبكى حتى ترك الطعام، قال عمر: لو شئت لكنت أطيبكم طعاما، وأحسنكم لباساً، ولكنى استبقى طيباتى، وفى البخارى عن عائشة: ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{ واسْتَمتعْتُم بها } فلم يبق لكم بعدها شىء، وانما أذهبوها بالاستماع فالعطف للتفسير { فاليَوم تُجزون } على أعمالكم وأقوالكم واعتقادكم السيئات { عذاب الهُون } عذاب الهوان، كما قرأ به بعض { بما كُنْتم } بكونكم فى الدنيا { تَسْتَكبِرون في الأرض } المخلوقة للعبادة والتواضع { بغَيْر الحق } من الله تعالى بمعنى أن الحق فى دين الله أن لا تستكبروا عن الخلق بالترفع عنهم، وأن لا تستكبروا عن الدين بانكاره، وبغير استحقاق، فقد يكون باستحقاق كالترفع عن الكافر لكفره، والترفع عن الظالم { وبما كنْتُم تفسقُون } تخرجون عن الطاعة بالزنى، وأكل أموال الناس وظلمهم، وغير ذلك من الذنوب، وهذا وأمثاله دليل على خطاب المشركين بالفروع كالأصول، وقدم التكبر لأنه من فعل القلب والفسق من أفعال الجوارح، وهى تابعة للقلب.
روى سعيد بن منصور، والبيهقى وغيرهما، عن عبد الله بن عمر: أن عمر رضى الله عنه رأى فى يد جابر بن عبد الله درهما فقال: ما هذا الدرهم؟ فقال: أريد أن أشترى به لأهلى لحما، قرموا اليه، فقال: أكلما اشتهيتم شيئا اشتريتموه، أين تذهب عنكم هذه الآية: "أذهبتم طيباتكم فى حياتكم الدنيا واستمتعم بها" وفى رواية رأى فى يده لحما قال: ما هذا؟ فقال: لحم اشتريته لأهلى قرموا الى اللحم، فقال: أكلما الخ، ويروى اشتهيت لحما فاشتريته فقال عمر: أفكلما اشتهيت أجابر اشتريت، أما تخاف هذه الآية { أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا } ومراده التزهيد والتحذير من اكثار اللذات، كما هو شأن المشركين، وعن قسوة القلب لا التحريم.
والآية انما هى فى المشركين اذا أقبلوا على اللذات وأعرضوا عن الآخرة، وقد قدم أهل البصرة على عمر رضى الله عنه، مع أبى موسى الأشعرى، فكان له كل يوم خبز مأدوم بزيت، وتارة بسمن، وتارة بلبن، وتارة بقدائد دقت وأغلى عليها، وتارة بلحم طرى وهو قليل، وقال: والله ما أجله كراكر وأسمنة على صلاء وكناب وسلائف، ولكن الله تعالى غير قوما بقوله: { أذهبتم طيباتكم } الآية، رواه عبد الله بن المبارك، وابن سعد، وأبو نعيم وغيرهم، عن الحسن، والكركرة ما يصيب الأرض من البعير اذا برك، وهى أطيب لحمه، والصلاء الشواء والطناب أدام يتخذ من الخردل والزبيب، والسليقة ما سلق من البقول وغيرها وبالصاد اللحم المشوى.
وفى البخارى ومسلم، عن عائشة: يأتى علينا الشهر ما نوقد فيه نارا انما هو الأسودان الماء والتمر، الا أن نؤتى بلحيم، وفى رواية: إنا كنا للنظر الى الهلال ثم الهلال ثم الهلال ثلاثة أهلة أو شهرين، وما أوقد فى أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار، قال عروة: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، وكانت لهم منائح فكانوا يرسلون الى رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانها فيسقينا.
وعن ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبيت الليالى المتتابعة طاويا وأهله لا يجدون عشاء، وكان أكثر خبزهم الشعير، رواه الترمذى، وروى الترمذى، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"لقد أخفت في الله تعالى ما لم يخف أحد وأوذيت في الله تعالى ما لم يؤذ أحد ولقد أتى عليَّ ثلاثون من بين يوم وليلة وما لي ولبلال طعام إلاَّ شيء يواريه إبط بلال" وكانت فاطمة رضى الله عنها، آخر من يوادع صلى الله عليه وسلم اذا سافر، وأول من يلقى اذا رجع، وقدم من غزوة فرأى مسحا على بابها، وعلى الحسن والحسن قلبين من فضة، فرجع فظنت أنه رجع لذلك، فنزعت المسح وقطعت القلبين، فبكيا فقسمتهما بينهما، وأتياه صلى الله عليه وسلم يبكيان، فأخذه صلى الله عليه وسلم فقال: "يا ثوبان اشتر بهذا من بني فلان قلادة من عصب وسوارين من عاج فإنَّ هؤلاء أهل بيتي ولا أحب أن يأكلوا طيباتهم في الحياة الدنيا" .
والمسح ثوب غليظ سترت به الباب، والقلب بضم فاسكان السوار، والعصب ثياب يمنية، أو بفتح الصاد مفاصل الحيوان يتخذ منها زينة، وقيل دابة بحرية يتخذ منها خرز بيض باسكان الصاد، وفى البخارى عن أبى هريرة، لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجل عليه رداء، اما ازار واما كساء، قد ربطوا فى أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده كراهة أن ترى عورته.