خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰقَوْمَنَآ أَجِيبُواْ دَاعِيَ ٱللَّهِ وَآمِنُواْ بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ
٣١
-الأحقاف

تيسير التفسير

{ يا قومنا } أعادوا النداء تأكيدا { أجيبُوا داعي الله } هو القرآن أو ما سمعوه منه، أو الرسول صلى الله عليه وسلم، سمعوا ذلك داعى الله، لأنه يدعو اليه، والإضافة بمعنى لام الملك أو الاستحقاق، وذلك كمؤذن السلطان، وقاضى السلطان { وآمنوا به } بالداعى أو بالله تعالى { يغْفِر لَكُم مِن ذُنُوبكم } أى يغفر ذنوبكم كلها، على أن من صلة عند الاخفش والكوفيين، والاسلام يجبّ ما قبله من حقوق الله وحقوق العباد، وقيل: من للتبعيض، والبعض الذى لا يغفر له حقوق العباد، وقد مر عن عطاء أن النفر كانوا قبل يهودا، وذلك تنزيلا لهم منزلة الموحد الفاسق، وقيل: تغفر ذنوب الحربى، ولو حقوق العباد إذا أسلم.
وقد يقال: الذى لا يغفر ما حضر حال الاسلام كخميس زوجات، واستعباد مسلم، ووجود خمر عنده، ولا اشكال فى هذا، ومقام الكفر قبض لا بسط فلم يذكر المغفرة للكافر الا مبعضة غالباً، ومن غيره يغفر لهم ما قد سلف، فانه شامل لحقوق الخلق، وجاء البسط فى قوله تعالى:
" { فقولا له قولاً ليناً } " [طه: 44] وقيل: البعض الآخر ما يفعله بعد اسلامه، فذكر من دفعا لتوهم اسقاطه بمجرد اسلامه، وقيل: جاء من، لأن الجن لم يعلموا أن الاسلام جبّ لما قبله كله.
{ ويُجركم مِن عَذابٍ أليمٍ } معد للكفرة، ومعلوم أن لا دار للمكلف بعد البعث إلا الجنة والنار، ومن لم يكن فى احداهن كان فى الآخرى فكما يجير الجن المؤمنين بالعذاب يثيبهم بالجنة، ولا فرق بينهم وبين الآدميين فى دخول الجنة، والتنعم بأكلها وشرابها وازواجها وغير ذلك، هذا مذهبنا، ومذهب مالك بن أنس، والحسن البصرى، والضحاك وغيرهم، وهو الحق، وعليه الأكثر واستدل له ضمرة بن حبيب بقوله تعالى:
" { لم يطمثهن إنسٌ قبلهم ولا جان } " [الرحمن: 56] قال: الانسيات للانس، والجنيات للجن، وانما اقتصر فى الآية على ذكر العذاب، لأن المقام للانذار، نعم قيل: يكونون فى فيافى الجنة وأطرافها. وهو مروى عن مالك وطائفة.
وقيل: هم أصحاب الأعراف، قيل: ونراهم فيها ولا يروننا. وزعم الليث أنه يجأرون من النار فيقال لهم: كونوا ترابا لقوله تعالى: { يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم } وليس كذلك، ونسب لأبى حنيفة، وروى عنه الوقف، وعن عمر بن عبد العزيز: يكونون حول الجنة لا داخلها، وقيل يدخلون الجنة، ويلهمون التسبيح. ويلتذون به مكان الأكل والشرب وغيرهما، وهو قول الحارث المحاسبى، وفى اليواقيت: الخواص منهم يروننا فيها، كما أن الخواص منها يرونهم فى الدنيا، وقيل يروننا ونراهم لا كالدنيا، وعن أبى حنيفة يدخلون الجنة، ولا ثواب لهم فيها زائدة على دخولها، وعنه لا يكونون فى الجنة، ولا فى النار، ولكن فى معلوم الله تعالى، ومن زعم أن الله يرى فى الآخرة وذلك خطأ يقول: لا تراه الجن، كما لا تراه الملائكة إلا جبريل، فانه يراه مرة، وصححوا أن الجن تراه كما يراه الآدميون، والحق أن الله لا يراه أحد.