خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ
١٩
-محمد

تيسير التفسير

{ فاعلم أنه لا إله إلاَّ الله } إذا عملت أن الأمر كما ذكر من سعادة هؤلاء وشقاوة هؤلاء، قدم اعتقاد أنه لا إله إلا الله، والعمل بمقتضاه، فان ذلك من موجبات السعادة، كما تقول للجالس، اجلس، تريد ابق جالسا كما أنت، أو زد من ذلك ملذة عمل واعتقاد وعلم، وقيل: الخطاب لمن يصلح له، وقيل: معناه إذا جاءتهم فلا ملك إلا الله، وعن أبى العالية وسفيان بن عيينة: إذا جاءتهم فلا ملجأ لهم إلا الله عز وجل، وانما أولت الآية بالدوام دفعا لتحصيل الحاصل، لأنه صلى الله عليه وسلم عالم بالتوحيد، عامل له من أول نشأته، وقيل الدوام على ذلك حاصل له إلا أنه أمر به تذكيرا للنعم، ويبحث بأنه لم تمض مدة يصدق بها أنه دام، فان الدوام هو بتمام عمره، والموعود للمعصوم يؤمر ذلك بالتمسك.
{ واسْتغفر لذنِبك وللمُؤمنين والمؤمنات } ذنبه صلى الله عليه وسلم ما هو جائز إلا أن الأولى تركه، أو ما الأولى لأنه قال عنه الى ما هو اعلى منه، ورب شىء حسنة من شخص سيئة من آخر أو مباح لشخص مكروه لآخر، وجاء أن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ويذكر أن لنبينا صلى الله عليه وسلم فى كل لحظة عروجا الى مقام أعلى مما قام فيه، فقد يعد ما عرج منه ذنبا بالنسبة الى ماعرج إليه، فيستغفر منه، وفى ابن ماجة والنسائى والترمذى وأبى داود: كنا نعد لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول فى المجلس:
"رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة" وفى رواية: "التواب الغفور".
وفى النسائى وابن ماجه عن أبى موسى: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"ما صبحت غداة قط إلاَّ استغفرت الله فيها مائة مرة" وروى مسلم وأبو داود والنسائى وغيرهم، عن الأعز المزنى عنه صلى الله عليه وسلم: "إنَّه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله كل يوم مائة مرة" ومعنى الغين على قلبه صلى الله عليه وسلم التغطية عليه بالفترة عن العبادة للعياء بها أو بغيرها أو بالاقتصار على الشىء عما هو أولى منه أو وسوسة الشيطان له بما جزم بانتفائه أو ذلك اشتغاله بالحزن لأحوال أمته بعده، حتى كان يستغفر لهم مزيد استغفار، أو باشتغاله فى النظر فى أمور المؤمنين ومصالحهم، وذلك عبادة، لكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، وشبه لهم فى ذلك كله بالغين الذى هو السحاب الرقيق، أو ذلك الاستغفار نتيجة السكينة واظهار للعبودية لله تعالى، واظهار للافتقار الى الله عز وجل، أو ذلك فترته التى من شأن البشر عن بعض ما كان يشتد فيه، وقيل: يحتمل أن الغين حالة حسنة يستغفر شكرا "أفلا أكون عبداً شكوراً" فاذا كان يستغفر فأمره بالاستغفار أمر بالثبات عليه، أو ذلك بالزيادة، أو كناية عما يلزمه من الدوام على التواضع، أو توطئة لما بعده من الاستغفار للمؤمنين والمؤمنات على حذف مضاف، أى أهل بيتك ولذنوب المؤمنين والمؤمنات أو عبر عن التواضع بالاستغفار لمشاكلة، وفصل بلام الجر للفرق بين ذنبه وذنب المؤمنين والمؤمنات، وفى حذف المضاف تلويح الى كثرة ذنوبهم وعظمها، كأن نفس أبدانهم ذنوب.
{ والله يَعْلم } ذكر علمه تعالى تحذيرا من عقابه، وترغيبا فى الامتثال { مُتَقلبكم } مصدر ميمى بمعنى التقلب، { ومثواكم } اسم مكان الرجوع، أو مكان الاقامة، أو مصدر ميمى بمعنى الرجوع، أو الاقامة، والمراد حركاتكم فى الدنيا لتجركم ومصالحكم، وانتقالكم الى الآخرة بمضى الأزمان، وانتقالكم فى أصلاب الآباء الى أرحام الأمهات، يعلم الله ذلك، ومواضعه ورجوعكم الى الآخرة والقبر، واقامتكم فيهما، ومنامكم ومستقركم فى الدنيا، على أن كلا من التقلب والمثوى فى الدنيا، وفى ذلك الجمع بين الحقيقة والمجاز، واستعمال المشترك فى معنييه، ويتخلص عن ذلك باستعمال اللفظين فى المعنيين المتقابلين، أو متقلبكم نهارا فى شغلكم، ومثواكم ليلا أو متقلبكم فى الدنيا، ومثواكم فى النار والجنة واليهما.