خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَىٰ قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُواْ يُؤْتِكُمُ ٱللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْاْ كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً
١٦
-الفتح

تيسير التفسير

{ قُل للمُخلَّفين من الأعراب } لم يضمر لهم ليصفهم بوصف قبيح وهو التخلف { سَتُدعُون } يدعوكم الله عز وجل على لسان رسوله، أو يدعوكم رسوله صلى الله عليه وسلم { إلى قَومٍ } الى قتال قوم { أولي بأس شَديدٍ } هم الروم الذين خرج اليهم صلى الله عليه وسلم عام تبوك، والذين بعث اليهم فى غزوة مؤتة عند كعب الأحبار، وفارس والروم عند الحسن، كما رواه سعيد بن منصور، وقيل: سيدعوكم الصديق الى قتال بنى حنيفة، وهم مسيلمة الكذاب وقومه أهل اليمامة، وهو مشهور، وعليه جماعة منهم الزهرى، كما أخرجه الطبرانى، وروى عنه وعن الكلبى بنو حنيفة وهل الردة.
قال رافع بن خديج كنا نقرأ هذه الآية فيما مضى، ولا نعلم من هم حتى دعا أبو بكر رضى الله عنه، الى قتال بنى حنيفة فعلمنا أنهم أريدوا بها، وقيل: يدعوكم عمر الى قوم هم فارس، وقيل: دعاهم الى فارس والروم، وفى ذلك دليل على صحة خلافتهما، لأن الله تعالى وعد على طاعتهما الجنة، وعلى مخالفتهما النار، وانما دعاهم أبو بكر وعمر مع قوله تعالى:
" { قل لن تتبعونا } " [الفتح: 15] وقوله عز وجل: " { لن تخرجوا معي أبداً } "[التوبة: 83] لأن المراد مادمتم كفاراً، وما دعاهم أبو بكر وعمر إلا بعد إسلامهم، وتركهم النفاق، وأجمعوا أنه من أسلم وجب عليه الجهاد، ووجب دعاؤه اليه، ولا يمنع منه، والخطاب للمخلفين من الأعراب الذين دعاهم صلى الله عليه وسلم للخروج الى مكة، وهم: جهينة، ومزينة، كما روى ابن جريج كذا فى جميع الأقوال الخطاب للمخلفين بنص الآية، وكذا قال ابن عباس كما رواه الطبرى والبيهقى، وكذا قال عطاء بن أبى رباح، وعطاء الخراسانى، وابن أبى ليلى، وهو رواية عن مجاهد.
وقال عكرمة، وسعيد بن جبير، وقتادة: هم هوازن، ومن حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حنين، وعن قتادة: هوازن وثقيف وروى ابن مردويه عن ابن عباس: هوازن وبنو حنيفة، وروى الطبرانى، عن مجاهد أنهم أعراب فارس والأكراد، وفى هذه الأقوال الدعاء بعد النبى صلى الله عليه وسلم.
ويجوز أن تكون هذه الروايات تمثيلات والأكراد معروفون بالشدة، والمشهور أنهم عجم، وقيل: عرب، وقيل منهم عجم وعرب، وذكر أبو عمرو بن عبد البر أنهم من نسل عمر ومزيقيا بن عامر، وعامر هذا هو الملقب ماء السماء، وأنهم وقعوا الى أرض العجم، فتناسلوا وجدهم من العرب، قال شاعر:

لعمرك ما الأكراد أبناء فارس ولكنه كرد بن عمرو بن عامر

{ تقاتلونهم } إن أصروا { أو يُسْلمون } فلا تقاتلونهم لا ثالث، أما القتال وإما الاسلام، وأو للتنويع والحصر كما يدل له قراءة أبى وزيد بن على بحذف نون يسلمون على أن أو بمعنى الا أو الى كقوله:

كسرت كعوبها أو تستقيما

والجملة مستأنفة، وهى مفسرة للدعاء إلى القوم، والحصر المذكور ينافى فى رواية تفسير القوم بالروم، وهم نصارى، أو فارس وهم مجوس، أو صابئون، والنصارى الصابئون والمجوس تقبل منهم الجزية، وقال أبو حنيفة لا تقبل عن الصابئين أيضا.
{ فإن تُطيعُوا } داعيكم الى قتال القوم { يؤتِكُم الله أجْراً حسناً } هو الجنة فى الآخرة، ولا غنيمة لكم، وقيل: الجنة والغنيمة وهو أولى فيما قيل { وإنْ تَتَولَّوا } عن قتال القوم { كَما تَولَّيْتم من قَبْل } فى الحديبية { يُعذِّبكُم عذاباً أليماً } لمزيد تول بعد تول، وذلك فى الآخرة، وقيل: فيها وفى لدنيا، وهو أولى فيما قيل، والمتبادر فى الموضعين عذاب الآخرة، ولما أكد عليهم فى القتال استثنى من لا يجب عليه الخروج من الوجوب، وان خرج بلا القاء لنفسه فى الهلاك أثيب كما قال.