خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوۤاْ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
١٣
-الحجرات

تيسير التفسير

{ يا أيُّها النَّاسُ إنَّا خلقْناكم مِن ذكرٍ وأنْثَى } آدم وحواء، فأنتم سواء، فكيف يغتاب بعضكم بعضا؟ والمغتاب يريد باغتيابه الترفع على المغتاب، وكيف يترفع عليه وهما أخوان فى الدين؟ وكيف يظن السوء فيه ولا يأخذ حذره عن الظن؟ وكيف يلمزه؟ وكيف يسخر منه:

الناس من قبل التمثيل أكفاء أبوهم آدم والأم حوَّاء

ومعظم تعلق الآية هو قوله: " { يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم } " [الحجرات: 11] فما مر أولى من قول بعض: الذكر والأنثى أبو كل انسان وأمه، ووجه هذا القول أنكم كلكم قد ولدتكم رجال ونساء، فما وجه الفخر، وقد استويتم، وانما يعتبر التقوى.
{ وجَعَلْناكم شعُوباً } العب بفتح فاسكان الجمع العظيم، المنتسبون الى أصل واحد جامع للقبائل، سميت كأن القبائل تشعبت منها، فهم رءوس القبائل كربيعة ومضر، والأوس والخزرج أسماء لآباء القبائل، وقيل: سموا لتجمعهم، وهو من الأضداد.
{ وقبائل } القبيلة تجمع العمائر، والعمارة بفتح وكسر البطون، والبطن الأفخاذ، والفخذ الفصائل فخزيمة شعب، وكنانة قبيلة وقريش عمارة، وقصى بطن، وهاشم فخذ، والعباس فصيلة، وذلك قول الجمهور، وعبارة بعضهم: القبائل دون الشعوب، كبكر من ربيعة، وتميم من مضر، ودون القبائل العمائر، كشيبان من بكر، ودارم من تميم، ودون العمائر البطون، كبنى غالب ولؤى من قريش، ودون البطون الأفخاذ، كبنى هاشم وبنى أمية من لؤى، ودون الأفخاذ الفصائل، كبنى العباس من بنى هاشم، وبعد ذلك العمائر، وليس بعد العشيرة شىء بوصف.
وعن الكلبى: الشعب، فالقبيلة، فالفصيلة، فالعمارة، فالفخذ، وقيل: الشعوب فى العجم، والقبائل فى العرب، والأسباط فى بنى اسرئيل، قال مسروق: أسلم رجل من الشعب، فكانت تؤخذ منه الجزية، وقيل: الشعوب عرب اليمن من قحطان، والقبائل ربيعة ومضر وسائر عدنان، وقال قتادة ومجاهد والضحاك: الشعب النسب الأبعد، والقبيلة الأقرب، وقيل: الشعوب الموالى، والقبائل العرب، وقيل: الشعوب المنتسبون الى المدائن والقرى، والقبائل العرب الذى ينتسبون الى آبائهم.
{ لِتَعَارفُوا } ليعرف بعضكم بعضا، فتصلوا الأرحام والتوارث والنفقة، لا لتتفاخروا بالآباء والقبائل، والأصل لتتعارفوا فحذفت احدى التاءين، كما قرأ الأعمش بالتاءين، وكما قرأ ابن كثر بشد التاء لادغام احداهما فى الأخرى { إنَّ أكْرمكُم عنْد الله أتقاكم } تعليل جملى، كما قرأ ابن عباس: لتعرفوا أن أكرمكم بتاء واحدة، واسقاط الألف، وكسر الراء وفتح همزة ان، وصح تعليل جعلناكم بالتعارف، لأن المراد جعلناكم شعوبا وقبائل ليعرف بعضكم بعضا لا للتفاخر، لان أكرمكم عند الله أتقاكم، لا افضلكم نسبا، وكأنه قيل: لم لا نتفاخر بالأنساب؟ فقيل: لأن أكرمكم ولو جاز التفاخر لجاز التفاخر بالتقوى، وقد يجوز ترفعا على المشركين وعلى طريق الشكر لغرض صحيح شرعياً وتبيينا لكون المعتبر التقوى، ويقال: المتقى العالم بالله تعالى المواظب على الوقوف ببابه، المتقرب الى جنابه، وقيلك المتقى مجتنب المناهى الآتى بالأوامر والفضائل، السريع التوبة عما صدر منه اذا صدر، وعلى قراءة ابن عباس لتعرفوا ان بكسر الهمزة يكون المعنى لتعرفوا ما تحتاجون من الصلة والارث وغير ذلك، أو لتعرفوا الحق وهو شرف التقوى، { إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم } وعلى قراءة لتعرفوا أن بالفتح يكون المعنى على التعليل، أو الأمر أن يعرفوا أن الأكرم عند الله الأتقى، فتكون اللام للأمر والمفعول هو المصدر مما بعد.
تقدمت قصة ثابت بن قيس بن شماس، وقوله لمن لمن يتزحزح له: انك ابن بنت فلانة، ولما قال له ذلك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من القائل فلانة؟ فقال: أنا يا رسول الله، قال: انظر في وجوه القوم فنظر فقال: ما رأيت يا خافت قال: رأيت أبيض وأحمر وأسود قال: فإنك لا تفضلهم إلاَّ بالتقوى" ونزل فيه: { إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم } ونزل فى الذى لم يفسح: " { إذا قيل لكم تفسحوا } " [المجادلة: 11] الآية.
وعن ابن عمر: طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح على راحلته يستلم الأركان بمحجنه، أى بعصا معوجة الرأس، ولما فرغ لما يجد مناخا فنزل على أيدى الرجال، ثم قالم فخطبهم فحمد الله واثنى عليه وقال:
"الحمد لله الذي أذهب عنكم عيبة الجاهلية - يعنى فخرها - وأذهب تكبرها، يا أيها الناس إنَّ الناس رجلان بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله عز وجل، ثم تلا: يا أيها الناس إنَّا خلقناكم من ذكر وأنثى ثم قال أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم" وعن يزيد بن شجرة: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سوق المدينة فرأى غلاما أسود يقول: من اشترانى فعلى شرط أن لا يمنعنى من الصلوات الخمس خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه بعض فمرض فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات وحضر دفنه، فقيل فى ذلك فنزلت، قلت: لعلها نزلت فى جيمع ما ذكروا، أو نزلت فى بعضها، ثم يقال: نزلت فى كذا بمعنى أنها شاملة له بالمعنى.
{ إنَّ الله عَليمٌ } بكم وبأعمالكم { خبيرٌ } ببواطن أحوالكم وباعتقادكم، أذن بلالرحمه الله عز وجل على الكعبة فأغضب الحارث ابن هشام، وعتاب بن أسيد وقالا: أهذا العبد يؤذن على الكعبة فنزلت: { يا أيها النَّاس إنَّا خلقناكم } الآية، ولما أذن بلال على الكعبة قال عتاب بن أسيد بن العيص: الحمد لله الذى قبض أبى ولم ير هذا اليوم، وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا؟ وقال سهل بن عمرو: ان كره الله نبيا يغيره، قال أبو سفيان: انى لا أقول شيئا أخاف أن يخبره رب السماء، فنزل جبريل فأخبره رسول صلى الله عليه وسلم بما قالوا، فسألهم فاقروا، ونزلت الآية.
ويروى انه صلى الله عليه وسلم أمر بنى بياضة أن يزوجوا أبا هند، وكان مولى حجاما، وكان يحجم النبى صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله أتزوج بناتنا موالينا، فنزلت الآية، وقال:
"أنحكوه وأنكحوا إليه وقال في خطبته في حجة الوداع وغيرها: الحمد لله الذي أذهب تكبر الجاهلية وافتخارها بآبائها، الناس بر وفاجر، أبوهم آدم وآدم من تراب، لا فضل لأحد على آخر إلاَّ بالتقوى، قال الله تعالى: { يا أيها الناس إنا خلقناكم } إلى قوله تعالى: { خبير } وربكم واحد، إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، ولينتهين أقوام يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان وقال في آخر الخطبة: ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: فليبلغ الشاهد الغائب" وقال صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى يوم القيامة: يا أيها الناس إني جعلت نسباً وجعلتم نسباً فجعلت أكرمكم عند الله أتقاكم فأبيتم إلاَّ أنْ تقولا فلان ابن فلان، وفلان أكرم من فلان، وإني اليوم أرفع نسبي وأضع نسبكم ألا إن أوليائي المتقون" .
ولا يخفى أن النسب الحسن حسن ومعتبر ان قارنته التقوى، قال صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن اشرف العرب: "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا" وأكرم الكرم التقوى، وألأم اللؤم الفخور، عن ابن عباس: كرم الدنيا الغنى، وكرم الآخرة التقوى، وفى الترمذى، عن سمرة بن جندب، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الحسب المال والكرم التقوى" وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اكرم الناس قال: "أكرمكم أتقاكم فقالوا: لم نسألك عن هذا؟ قال: فأكرم الناس يوسف نبي الله بن بني الله ابن نبي الله بن خليل الله قالوا: لم نسألك عن هذا؟ قال: فعن معادن العرب تسألون؟ قالوا: نعم قال: فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا" أى عملوا بالشرع، رواه البخارى ومسلم، والتخيير فى الجاهلية انما هو بالنسب مع خصال الخير، كالجود والسمع والشجاعة والصبر، ولا عبرة بشرف نسب بلا تقوى، ولو كان قد يعتبر فى شأن كخصلة، كما ذكروا ان الفرس أشرف من النبط، أى فى خصال ونسب، وبنى اسرائيل أشرف من القبط أى فى النسب والدين.
وعنه صلى الله عليه وسلم:
"إنَّ الله اصطفى كنانة من أولاد اسماعيل، وقريشاً من كنانة، وبني هاشم من قريش، وأبي من بني هاشم، وإياي من أبي" وليس العرب مطلقا أفضل من العجم، بل المراد المجموع، وأشرف العرب نسبا أولاد فاطمة رضى الله عنها، للنبى صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: "كل الأنساب يوم القيامة تنقطع إلاَّ نسبي وصهري" وقال: "لا ينفع نسبي من لم يعمل بما جئت به" ومن يفتخر بالنسب اليه صلى الله عليه وسلم وفسق فقد دنس انتسابه بفسقه، وافتخار الفاسق بنسبه، كافتخار الكوسج بلحية أخيه، ويجب على ذى الانتساب إليه صلى الله عليه وسلم التحرج عن المعاصى أكثر مما يجب على غيره، فيكون كمن زاد على الزبد شهدا، والحسنة فى نفسها حسنة، وهى من بيت النبوة أحسن، والسيئة فى نفسها سيئة، وهى من أهل بيت النبوة أسوأ، ولا يجب أن يكون الامام من كنانة أو أقرب، نعم هم أولى ان وجدت الكفاية.