خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ أَن تُصِيبُواْ قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
٦
-الحجرات

تيسير التفسير

{ يا أيُّها الَّذين آمنُوا } شامل للنبى صلى الله عليه وسلم وكاملى الايمان، والنداء لتأكيد التبيين { إن جاءكم فاسقٌ بنبأ } بخبر { فتبيَّنُوا } اطلبُوا البيان بالشهادة العادلة ولو بثقة واحد عدل، وذلك نهى عن العجلة، كما قرأ ابن مسعود فتثبتوا بتاء مثناة بعدها ثاء، ولا تقلدوا من هو فاسق تحقيقا، أو يخاف فسقه، فاذا لم يكن عدلا ثقة خيف أن يكون فاسقا، فيجتنب حتى يعلم أنه عدل ثقة، فاذا نهينا عن اتباع الفاسق وجب علينا أن ننظر العدالة.
قال الحارث بن أبى ضرار الخزاعى: قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: فدعانى الى الاسلام فأسلمت، والى الزكاة فأقررت بها، وقلت: أدعو اليهما قومى، فمن استجاب جمعت زكاته، فأرسل الىَّ لوقت كذا من يأتيك بها ففعلت وانتظرت رسوله، ولم يأت فقلت لرؤساء قومى: لم يأتنى الرسول، ونبى الله صلى الله عليه وسلم لا يخلف الوعد، وأخاف أن الله تعالى سخط علينا فسرنا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزكاتنا، وقد بعث صلى الله عيه وسلم الوليد بن عقبة ابن أبى معيط، أخا عثمان لأمه ليقبضها عنا، ولما بلغ بعض الطريق خاف فرجع، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ان الحارث منعنى الزكاة وأراد قتلى، فأرسل إلينا من يقاتلنا، فالتقينا معهم خارج المدينة، فقلنا: الى من؟ قالوا: اليك إذ منعت الزكاة، وأردت قتل الرسول اليك، فقلنا: لا والله، فدخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
"منعتم الزكاة، وأردتم قتل رسولي" قلنا، لا والله ما رأيناه، وقد خفت سخط الله تعالى اذ لم يأتنى رسولك فنزل: "يا أيها الذين آمنوا" الآية رواه الطبرانى، وأحمد قبله.
وقيل: أرسل اليهم خالدا بعد قول الوليد، وأعطوه الزكاة، ولم يجيئوا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما نزلت الآية قال صلى الله عليه وسلم:
"التثبت من الله تعالى والعجلة من الشيطان" روى عبد بن حميد، عن الحسن: أن الوليد بن عقبة، أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ان بنى فلان، وكان بينه وبينهم شىء، ارتدوا، فبعث اليهم خالدا ينظر هل يصلون، فان تركوها فاقتلهم وإلاَّ فلا تعجل، فوافاهم عند الغروب، وكمن وراءهم فرآهم أذنوا وصلوا المغرب، ثم أذنوا للعشاء عند غيوب الشفق، وصلوها، ورجع اليهم فى جوف الليل فرآهم يتهجدون بشىء من القرآن تعلموه، وطلع الفجر فأذنوا وصلوا، فاذا بطوالع الخيل فقيل: هذا خالد فى خيله، قالوا: يا خالد ما شأنك؟ قال أنتم شأنى بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أنكم ارتددتم فجثوا يبكون ويقولون: لا والله، فرد الخيل حتى أتى اليه صلى الله عليه وسلم، وأنزل الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا } الآية.
إن قلنا: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكاملى الايمان فلأن القضاء وانفاذ الأحكام والافتاء يكون بهم، فذلك تجزئة وقد يراد الكل لوجود الكاملين فيهم، فذلك كل مثل المجموع، وما هنا أمر لا حكم، وان أريد المؤمنون مطلقا فكلية ووجهه أن عامتهم قد يشهدون، وقد يسعون فى أن يفتى أو يقضى أو يحكم بشىء ويتولون ويبرءون، فلزمهم التثبت والنكرة كفاسق ونبأ فى سياق الشرط، تظهر العموم ولا تنصبه، والمراد هنا العموم البدلى لا خصوص الوليد بن عقبة بن أبى معيط بناء على أنه لا يظن بالوليد الجزم بأنهم منعوا الزكاة، وأرادوا قتله، كما قيل بهذا الجزم منه، وانما ظن وتوهم فأخطأ.
وقيل: المراد الوليد وأنه جىء بأن والتنكير سترا عليه، والفسق لغة: الخروج، وشرعا: الخروج عن أمر الدين بكبيرة، ويطلق على المشرك أيضا كما ورد فى القرآن، والنبأ الخبر مطلقا، أو إن كانت فيه فائدة عظيم، وقال: { إن جاءكم } ولم يقال: اذا جاءكم لقلة الفسق والاخبار به فى حيزه صلى الله عليه وسلم، حتى انه يشك هل يتصور أن يكون والنداء بالايمان بخرج عنهم الفاسق، إذ ليس منهم، اذ المراد الايمان الكامل أو العموم الا أن ايمانه كلا ايمان، كقوله صلى الله عليه وسلم:
"لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن" أى موحد، والمراد أنه شبيه بالمشرك، أو المراد لا يزنى وهو موف، وليس ذلك نصّاً لجواز أن يراد ان جاءكم فاسق منكم، والذين جىء اليهم هم الباقون بعد هذا المجىء، والآية دليل على أنه لا تقبل شهادة الفاسق لا على أنه يجوز أن يجعل شاهدا، كيف نجعله شاهدا، ولا نكتفى بشهادته، بل بغيرها كشهادة غيره وكالاقرار، وكذا اذا أشهدناه ثم علمنا بفسقه، والمطلوب انتفاء الفسق، فنبحث عن العدالة، والأصل الفسق، أو العدالة قولان: وجه الأول: أن العدالة طارئة، ووجه الثانى أنه بتوحيده يتأصل فيها، والطارىء الفسق، ثالثهما، الوقف عن الحكم فى ذلك حتى يرى ما يقوى أحدهما، كادعا الاسلام فى قوله وفعله، مع عدم العلم العلم بكبيرة منه.
والصحابة عدول لا يبحث عن عدالتهم فى شهادة ولا رواية، لما ورد فيهم من المدح، ولا يخلون من كبائر الا أنهم يموتون تائبين ولا بد، وعليه جمهور قومنا أو كغيرهم، فيبحث عنها فيهم إلا من يقطع له بها، كأبى بكر وعمر، ومن ترجح له، أو عدول الى أن وقعت فتنة عثمان، أو الى أن وقعت فتنة على، فمن قاتله منهم فسق، أقوال.
خامسها: أن من خاض منه فى الفتن ولم يظهر معه الحق، أو علم الحق، وتمسك بمجرد ما ورد فيهم من المدح، ومن أمسك لقصوره عن إدراك الحق، فهو على عدالته، وأما الفاسق متأول كالمجبرة والقدرية والمعتزلة، فهل تقبل شهادته وروايته، ان تورع فى الفروع؟ قولان، وغير متأول فلا نقبل عنه، ولا تقبل عمن أحل وضع الأحاديث ترغيبا أو ترهيبا كالكرامية لا تقبل عنه، وقيل تقبل فى غير الحديث إن تورع فى غير ذلك، وعليه الحنفية { أنْ تُصيبُوا } كراهة أن تصيبوا أو لئلا تصيبوا { قوماً } برآء مما نسب اليهم { بجهالةٍ } منكم لحالهم متعلق بتصيبوا، والباء لوصل الفعل، أو متعلق بمحذوف حال من الواو، وقالوا للملابسة { فتُصبْحُوا } تصيروا { عَلى ما فَعلتُم } على ما فعلتموه، أو على فعلكم، وعلى التعليل، أو السببية متعلق بقوله: { نادمين } مغتمين غماً لازما، متمنين أنه لم يقع ما فعلتم، لكثرة تذكره وغير ذلك، ولا يلزم تجديد التوبة والندم كلما ذكر الذنب على الصحيح.