خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىۤ أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
٨
وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
٩
وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَآ أُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ
١٠
يَا أَيُّهَآ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱذْكُرُواْ نِعْمَتَ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ
١١
-المائدة

تيسير التفسير

{ يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلهِ } بتعظيمه والدعاءَ إِليه وتحبيبه إِلى الخلق وطلب رضاه والائتمار بأَمره والانتهاءِ بنهيه، والأَمر بالمعروف والنهى عن المنكر. { شُهَداءَ بِالقِسْطِ } العدل ولو على أَنفسكم أَو الوالدين والأَقربين وفى أَهل العداواة مجانبين للزور فقولوا ما عندكم من حق فى أَصدقائكم وأَعدائكم ابتغاء لوجه الله والخلق، أَما لله كما قال كونوا قوامين لله وأَما للخلق كما قال شهداءَ بالقسط، وقيل: المعنى دعاة إِلى الله تعالى بالحجج، وقدم لفظ القسط فى النساءِ لأَنه فيها فى معرض الإِقرار على النفس والوالدين والأَقارب والزجر عن المحاباة وأَخر هنا لأَن ما هنا فى معرض ترك العداوة فبدئ بالقيام لله وتكررت تأَكيدًا لما فيها، ولأَن الأُولى فى المشركين غير اليهود والعدل معهم وهذه فى المشركين اليهود والعدل معهم. { وَلاَ يَجْرمَنَّكُمْ } لا يحملنكم، ضمن الاكتساب معنى الحمل فعداه بعلى ويجرم قائم مقام يكسب { شَنآنُ قَوْمٍ } بغضكم قوماً مشركين أَو بغض قوم مشركين لكم حتى ضروكم { عَلَى أَن لاَ تَعْدِلُوا } فيهم فتمثلوا بقتلاهم وتقتلوا النساءَ والصبيان ومن لا يقتل منهم ومن أَسلم منهم وتنقضوا العهد تشفيا، والآية نزلت في قريش، إذ صدوا المسلمين عن المسجد الحرام وقيل الآية فى فتح مكة لما فتحت كلف الله المؤمنين أَن لا يكافئوا كفار مكة بما سلف منهم وأَن يعدلوا فى القول والفعل. { اعْدِلُوا هُوَ } أَى العدل المعلوم من اعدلوا كقوله تعالى: { وإن تشكروا يرضه لكم } [الزمر: 7] أَى يرضى الشكر. { أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى } أَنسب لسائر التقوى وأَجلب لسائر التقوى وإِذا وجب العدل مع الكفار فكيف مع المؤمنين واللام بمعنى من التى يتعدى بها القرب، أَو بمعنى إِلى، وأَقرب خارج عن التفضيل بحسب ما يعتقد الجاهل من تقوى فى غير العدل كما هو وجه فى قوله تعالى: { ءالله خير أَمَّا تشركون } [النمل: 59] ويحتمل أَن المعنى آلله حسن أَم ما تشركون وغير الحسن قبيح. { وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبيرٌ بِما تَعْمَلُونَ } فيجازيكم، وكرر لأَن هذه فى اليهود وتلك فى المشركين، أَو لتأكيد ترك الغيظ وهذا وعيد كما قال والذين كفروا إِلخ ووعدكما قال:
{ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ } والوعد وعدا حسناً كما دل له الإِيمان والعمل الصالح وإِلا فوعيد، يستعمل ولو فى الشر كقوله تعالى: النار وعدها الله، ويقولون متى هذا الوعد، ولا مفعول له ثان هنا ولو كان متعدياً لاثنين فى الجملة لأَنه لو قدر له التكرر مع قوله عز وجل { لَهُمْ مَغْفِرَةٌ } لذنوبهم { وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }على أعمالهم الصالحات وتوبتهم وهو الجنة ولا يحسن دعوى محذوف مفسر بهذه الجملة مثل وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات شيئاً عظيماً، وأَما الاشتغال فنوع آخر قام دليله وهو النصب الظاهر أَو المنوى المدلول عليه بنحو الطلب نحو هذا أَكرمه، ولما يذكر لهم مغفرة وأجر عظيم فى الآية الأَخرى ذكرت فيه الجنة مفعولا ثانياً، ويجوز تضمين الوعد معنى القول فيكون لهم مغفرة وأَجر عظيم مفعولا للوعد، وزاد من وعد المؤمنين قوله تعالى:
{ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيم } فإِنه وعيد للكفار فهو تشف للمؤمنين من أَعدائهم أَصحاب الجحيم بمعنى ملآزمو الجحيم كقولك للبدو أَصحاب الصحراءِ، ويروى أَن النبى صلى الله عليه وسلم وأَصحابه قاموا فى عسفان وهو على مرحلتين من مكة فى غزوة ذى المجاز. ويقال ذى أنمار إِلى صلاة الظهر جماعة فندم المشركون إِذ لم يكبوا عليهم دفعة واحدة حينَ سجدوا وهموا أَن يفعلوا فى العصر فنزلت صلاة الخوف، وأَنه أَتى قريظة ومعه الخلفاء الأربعة وغيرهم يستقرضهم لديه مسلمين من كلاب قتلهم عمرو بن أَمية الضمرى يحسبهما مشركين أَى ويقضيهم بعد من بيت المال، فقالوا: نعم اجلس يا أَبا القاسم نطعمك ونقرضك وعمد عمرو بن جحاش إِلى شق رحى يطرحها عليه فأَلصقها الله بيده وجاءَ الوحى بذلك فذهب إِلى المدينة ولم يخبرهم إِذ لو أَخبرهم وذهبوا معه لتعلق بهم اليهود جهارا فيقع القتال، ولما وصل المدينة ولحقه من معه بعد أَرسل إِلى اليهود: إِنكم قد نقضتم العهد، ولما هموا بإِلقاءِ الصخرة نهاهم بعضهم فقال إنه يخبره الله عز وجل وعصوه ولما ذهب قال لهم أَلم أَقل لكم يخبره الله عز وجل. روى البخارى ومسلم وغيرهما بدخول حديث بعض فى بعض
"أَنه صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وعلق سلاحه بشجرة وتفرق الناس عنه إِلى أَشجار يستظلون بها فجاءَ أَعرابى فسل سيفه وهو سيف جاءَ به ويروى أَنه سيفه صلى الله عليه وسلم وقد علقه على شجرة نام تحتها فقال: من يمنعك منى. فقال: الله فأَسقطه جبريل من يده فأَخذه صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك منى. فقال: لا أحد. فقيل قل أَشهد أَن لا إله إِلا الله وأَن محمداً رسول الله" ، وفى رواية: "من يمنعك منى قال: الله، أَعادها ثلاثاً فغمده الأَعرابى وجلس بجنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأَخبرهم بفعل الأَعرابى القاعد معه" ، وبسطت هذه الروايات كلها فى السير فنزل فيها كلها قوله تعالى.
{ يَا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا } شامل للنبى صلى الله عليه وسلم وأَيضاً تنجيته نعمة لهم وبالعكس { اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم } إِنعامه عليكم بالتنجية من القتل { إِذْ } يتعلق بنعمة بمعنى إِنعام { هَمَّ قَوْمُ } مشركو عسفان وقريظة والأَعرابى { أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكًمْ أَيْدِيَهُمْ } بالقتل { فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ } مقتضى الظاهر فكفها وأَظهر لزيادة تقرير ما كف مما يهتم بكفه { عَنْكُمْ } لم يضروكم { وَا تَّقُوا اللهَ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ } فإِن منه الخير والشر وعلى يتعلق بيتوكل بعده والفاء صلة. نهى الله عز وجل المسلمين أَن ينقضوا الميثاق كما نقض بنو إِسرائيل. قال الشافعى الآية تقرأ سبعاً صباحاً وسبعاً مساءً لدفع الطاعون.