خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

إِذْ قَالَ ٱلْحَوَارِيُّونَ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ قَالَ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ
١١٢
-المائدة

تيسير التفسير

{ إِذْ قَالَ الحَوارِيُّونَ يَا عِيسَى ابنَ مَرْيَمَ } متعلق بقالوا أَو مفعول لا ذكر، وعلى تعليقه بقالوا يكون تنبيهاً على أَن دعواهم الإِيمان واستتباع الجوارح لإِيمان غير متحقق لما ذكر الله عنهم من سؤالهم المائدة، ولو تحققت لم يسأَلوا المائدة ولم يشكوا في استطاعة الله تنزيل المائدة، أَى قالوا آمنا واشهد بأَننا مسلمون، وهم غير قويين فى الإِيمان بل ضعف إِيمانهم ومقتضى الظاهر إِذ قالوا برد الضمير للحواريين، ولكن أُظهر لأَنه كلام فى قصة جرت بينه وبينهم غير ما قبلها، وقال هنا بأَننا بنونين على الأَصل لأَن المؤمن به يفتح الميم الثانية متعدد بى وبرسولى، وفى موضع آخر بنون لأن المؤمن به واحد في آمنا بالله كذا قيل، وفيه سوء أَدب إِذ لا ضعف في ذكر الله وحده مع أَنه لا شئَ إِلا منه ولا قوة إِلا به { هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ } يقدر ربك، ويحتمل أَن المراد هل فى حكمته تنزيل المائدة فليسوا شاكين ولا غير مصدقين، وصرح بعض بأَنهم مجمع على إِيمانهم، ويدل على إِيمانهم قوله تعالى " { فمن يكفر بعد منكم } "[المائدة: 115] إِلا أَنه يجاب باحتمال أَن يراد فمن يبق على الكفر أَو يزدد كفراً، فإِن كل إِنكار لما يجب الإِيمان به كفر على حدة، فيجاب بأَنه لا دليل على هذا الاحتمال، ولا يقبل المحتمل المخالف للظاهر إِلا بدليل، ويدل على إِيمانهم وصفهم بالحواريون فإِنه ينافى كونهم على الباطل، ودعوى أَنهم حواريون ظاهرا يحتاج إِلى دليل، ويدل على إِيمانهم أَمر الله عز وجل المؤمنين بالتشبه بهم كما قال عز وجل { { كونوا أَنصار الله } [الصف: 14] كما قال الحواريون الآية، ويدل على إِيمانهم قوله صلى الله عليه وسلم: "لكل نبى حوارى وإِن حواريى الزبير" ، رواه قومنا، ودعوى أَن من الحواريين طائفة لم تؤمن، أَو ارتابت فطلبت المائدة تحتاج إِلى صحة، وتفسير تطمئن قلوبنا بزيادة الإِيمان وتفسير صدقتنا بالإلحاح فى علامة أَن الله يجيب دعاءَنا، وقيل يستطيع بمعنى يطيع كاستجاب بمعنى أَجاب، ولكن وصف الله بطاعة غيره ولو كانت بمعنى الإِجابة تحتاج إِلى توقيف، وذكر أَبو شامة أَن أَبا طالب قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا ابن أَخى ادع ربك أَن يشفينى فدعا فكأَنما نشط من عقال، فقال إِن ربك يطيعك، فقال لو أَطعته لكان يطيعك، فاستعمل إِطاعة الله لغيره بمعنى الإِجابة وحسنه المشاكلة لقول عمه إِن ربك يطيعك، أَو يستطيع بمعنى يفعل تعبيراً باللازم لأَنه يلزم من فعل الشئ أَن فاعله قادر عليه، أَو بالملزوم البيانى عن اللازم فإِنه يلزم من استطاعة الشئ فعله أَى ترتبه عليه فى الجملة، أَو بالسبب العادى عن المسبب، فإِن القدرة سبب الفعل، أَو المعنى السؤال لغيرهم ممن لم يطمئن لا لهم كما سأَل موسى الرؤية عن قومه لا عن نفسه، وذلك كله خروج عن كفر الحواريين لأَنهم كالمجمع على إِيمانهم { أَنْ يُنزلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ } إِناء يعد للطعام بأَنواع منه، وإِن لم يكن فيه طعام فهو خوان كإِناءِ شرب خمر يسمى كأْساً إِن كان فيه الخمر وإِلا فقدح، وكما يستقى به يسمى ذنوباً وسجلا إِن كان فيه ماء وإِلا فدلو، وكالجلد هو جراب إِن دبغ وإِلا فإِهاب، وهى من ماد تحرك كأَنها تميد بما فيها من الطعام أَو من مادة أَعطاه كأَنها معطية للآكلين كما تقول شجرة مطعمة، وقيل فاعله بمعنى مفعولة أَى معطاة { قَالَ اتَّقُوا الله } من مثل هذا السؤال، واتقوا الله لتحصل الإِجابة كقوله تعالى { ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب } [الطلاق: 2، 3] { إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنينَ } إِيماناً حقيقياً يستتبع الأَعمال الصالحة والإِخلاص، أَو إِن كنتم صادقين فى دعوى الإِيمان والإِسلام، وليس المعنى إِن كنتم مؤمنين بكمال قدرة الله ونبوءَتى لأَن من يسأَل هذا السؤال شاك فى قدرة الله جل وعلا وفى نبوءَة عيسى عليه السلام، فلا يقال له إِن كنت مؤمنا بذلك إِلا أَنه قد تقدم تفاسير فى استطاعته تنزيل المائدة لا تنافى الإِيمان كما أَخبر عنهم بقوله.