خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ
٢٥
قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ
٢٦
-المائدة

تيسير التفسير

{ قَالَ رَبِّ } يارب { إِنِّى لاَ أَملِكُ إِلاَّ نفْسِى وَأَخى } لا أَملك غيرهما فأَجبرهم على القتال، يحتمل أَن يكون تشبيه القلة بانفراده وأَخيه، شكا إِلى الله مخالفة قومه له حتى أَنه لم يبق منهم من يثق به سوى أَخيه هارون فانه كنفسه، وأَما يوشع وكالب فهما ثقتان إِل أَنه لم يجزم بهما جزمه بأَخيه لما اعتاد من تلون قومه عامتهم وخاصتهم، ويجوز أَن يريد أخوة الدين وأَن الإِضافة للحقيقة فشملهما وكل من يؤاخيه فى الدين، وهذا ضعيف لأَنه لا يرجو سوى من يؤاخيه فيه، اللهم إِلا أَن يريد الخواص من جملة من يؤاخيه فيه، ويجوز أَن يكون المراد من العطف على معمولى عامل واحد كأَنه قيل وإِن أَخى إِلا يملك إِلا نفسه أَو على معمول عامل كأَنه قيل ولا يملك أَخى إِلا نفسه، أَو وأَخى لا يملك إِلا نفسه بالابتداءِ والإِخبار، والماصدق فى ذلك كله واحد، وعلى كل حال سمى التوثيق بشىءِ ملكا لأَنه يستعمله كما يستعمل مملوكه حيث شاءَ { فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ القَوْمِ الفَاسِقِينَ } بما يستحق كل منهم ومنا بإِدخالنا الجنة وبادخالهم النار، قيل وبالتبعيد بيننا وبينهم وتخليصنا من صحبتهم، وهذا يقضى أَن موسى وهارون لم يكونا معهم فى التيه لأَنه دعا بالتخليص منهم ودعاء الأَنبياء يستجاب، والصحيح أَنهما فى التيه وليس كل دعاءِ نبى يستجاب فى نفس ما دعا فيه، أَو الفرق بجزاءِ كل بما استحق فعاقبهم بالتيه وسهله لهما وللرجلين كما سهل النار على إِبراهيم وماتا فيه على الصحيح، مات هارون قبله بسنة وقيل بستة أَشهر ونصف وقيل بثمانية أَعوام واتهموا موسى بقتله لحبهم له فتضرع إِلى الله فأَحياه فبرأَه فرجع ميتا، وخرج كالب ويوشع وهو وصية فى قتال الجبارين وأَخبرهم أَنه نبىءِ بعد أَربعين سنة وفتحا بيت المقدس أَو كل الشام بعده بثلاثة أَشهر، وقال قتادة بشهرين وقيل: مات فيه هارون وخرج موسى بعد الأَربعين وحارب الجبابرة وفتح أَريحاءَ ويوشع مقدمته، وأَقام فيها ستة أَشهر وفتحها فى السابع ومات فيها ولا يعلم قبره، وصحح هذا القول بعض. { قَالَ فَإِنَّها } الفاء عاطفة على افرق عطف اسمية إِخبارية على طلبية فعلية أَو على محذوفة أَى دعاءك مجاب فإنها { مُحَرَّمَةٌ } تحريم منع لا تحريم تعبد فلو دخلوها لم يعصوا لكن لا يتصور حصوله لأَن الله عز وجل لا يوقعه، وأُجيز أَن يكون تحريم تعبد فلو دخلوها لعصوا ولا يتصور { عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً } هذا دليل على أَن مراد موسى بالفرق؛ الفرق فى الدنيا لأَنه دعا ودعاء الأَنبياء مجاب، والأَصل فى الإِجابة طبق السؤال، وبعد الأَربعين يدخلها من حيى منهم، فالآية دلت أَن هؤلاءِ الفاسقين لم تموتوا كلهم فى التيه بل مات بعض وبقى وبعض، وقد روى هذا وأَن موسى خرج بمن بقى منهم وبأَولادهم وفتح القرية ومقدمته مع يوشع وهو أَنسب بقوله { كتب الله } [المائدة: 21] وقيل ماتوا كلهم ولم يدخلها إِلا أَولادهم معه عليه السلام، وعلى هذا فأَربعين غير متعلق بمحرمة بل بقوله { يَتِيهُونَ فِى الأَرْضِ } يتحيرون فيها وهى أَرض التيه ستة فراسخ وهم ستمائة أَلف فارس لكل مائة أَلفُ فرسخ مسيرة نصف يوم على أَن الفرسخ أَربعة أَميال والميل ثلاثة آلاف ذراع أَو أَربعة آلاف ذراع وقيل التيه ستة فراسخ عرضا فى اثنى عشر فرسخا طولا، وقيل تسعة فراسخ عرضا وثلاثون طولا، وعوقبوا بالتيه طبق قولهم إِنا ها هنا قاعدون، وكأَنهم قعدوا وكان أَربعين لأَنها غاية يرعوى فيها الجاهل وقيل لأَنهم عبدوا العجل أَربعين يوما لكل يوم عام وهو مردود لأَنهم تابوا من عبادته، وذلك عقاب لهم تأَديبا وقد تابوا، كما يؤدب الرجل ابنه بعذاب وهو يحبه، ولم يقدروا على الخروج لمحو العلامات أَو شبه الله أَرضا بأَرض وما فيها، أَو يبدل الأَرض فى نومهم، وقيل عدم قدرتهم على الخروج خرق للعادة من الله كلما ساروا صبحا وجدوا أَنفسهم فى الموضع الأَول فى آخر مشيهم عشية وبالعكس، ولا تبلى ثيابهم ولهم الماء من حجر موسى ولا تطول شعورهم ولهم من الله عمود من نور ليلا، قلت ولو رام أَحد أَن يخرجهم من التيه لم يهتد وتاه معهم أَو لا يرون أَحدا، وقيل تحريم تعبد فلو شاءُوا لخرجوا ولكن أَذعنوا للجزاءِ، قلت يبعد أَن يذعنوا لذلك هذه المدة العظيمة مع قسوة قلوبهم وكثرة عنادهم ومع أَن الله سماهم فاسقين، فالأَنسب أَن لا يذعنوا إِن قلنا أَنهم المراد فى قوله { فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الفَاسِقِينَ } لا تحزن وتتحسر يا موسى عليهم لعصيانهم الله فى ترك الجهاد، وكان قد أَسى لشفقة القلب ولأَن التيه بدعائه فندم إِذ عجل بالدعاءِ أَو لا تحزن يا محمد على قوم شأَنهم المعاصى ومخالفة الرسل.