خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

فَتَرَى ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى ٱللَّهُ أَن يَأْتِيَ بِٱلْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَآ أَسَرُّواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ
٥٢
وَيَقُولُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَهُـۤؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ
٥٣
-المائدة

تيسير التفسير

{ فَتَرَى } تعلم يا محمد أَو يا مطلق من يتأَهل، أَو سمى سماع الأذن بمسارعتهم في الكفر رؤية بصر ولعل لهم أَيضا أَفعالا في المسارعة فسمى مشاهدتها إِبصارا وكل ذلك مجاز { الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ } شك في الإِيمان مضر كمضرة المرض كعبد الله بن أَبى المنافق والفاء للسببية والعطف على لا يهدى فإِن انتفاءً هدايتهم أَى انتفاء توفيقهم سبب للمسارعة المعلومة أَو المشاهدة، وذكر القلب لرسوخ المرض المذكور فيه فهم راغبون في المسارعة وإِنما الحادث التنقل في مراتبها من نوع إِلى آخر، وهذا التنقل مراد في قوله تعالى { يُسَارِعُونَ فِيهِمْ } في موالاتهم كابن أبىٍّ يسارع في موالاة اليهود، وكمن يسارع في موالاة نصارى نجران وحذف المضاف لمبالغتهم في الرغبة فيهم وقال فيهم دون إِليهم لأَنهم استقروا في الموالاة، وإِنما يسارعون من كفر إلى كفر { يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيَنَا دَائِرَةٌ } هلكة دائرة أَو مضرة دائرة هذا أَصله، ثم تغلبت عليه الاسمية والمراد أمر يدور في الذهن من غلبة الكفار فلا يتم أَمر محمد صلى الله عليه وسلم، ومن الجدب فلا نجد من يعطينا طعاما ببيع أَو قرض أَو هبة أَو غير ذلك، والدائرة لغة ما أَحاط بالشيءِ وفي الاصطلاح سطح مستو يحيط به خط مستدير في وسطه نقطة يستوى إِليها من دار من كل جهة على سواء وليس الخط والنقطة مشخصتين بل تفرضهما بمعناهما باعتبار، والدائرة حقيقة في الخط وقيل في السطح واستعير لفظ الدائرة لنوائب الزمان بملاحظة إِحاطتها ولفظ الدائرة في الشر كالدولة في الخير { فَعَسَى } الفاء لعطف الإِنشاءِ على الخبر الذي هو ترى { اللهُ أَنْ يَأْتِىَ بِالْفَتْحِ } فتح الخيور لنبيه صلى الله عليه وسلم من النصر وإِعلاءِ دينه والتملك على البلاد، وقال السدى فتح مكة، وقيل فتح بلاد الكفار { أَوْ أَمْرٍ مِن عِنْدِهِ } كقتل اليهود وإِجلائهم والسبى وإِظهار أَسرار المنافقين والأَمر بقتلهم، وقيل موت رأس النفاق وعبارة بعض قتل قريظة وسبى ذراريهم وإِجلاء النضير وإِظهار نفاق المنافقين { فَيُصْبِحُوا } عطف على خبر عسى ولو لم يكن فيه ضمير يعود إلى اسم عسى استغناء بالربط بالفاء السببية، والاصباح على ظاهره يندمون صباحا بما نزل عليهم فيه أَو في ليله ويستمر، أَو معناه يصيرون والواو للمنافقين { عَلَى مَا أَسَرُّوا فِى أَنْفُسِهِمْ } على ما أَرسخوا فيها وربما نطقوا به من موالاة الكفار للشك أَو للإنكار { نَادِمينَ } على أَن لم يخلصوا الإِيمان فلم ينجو، وتخصيص إِسرار الموالاة بالندامة لا بما كانوا يظهرونه من الموالاة، لأَن ذلك إِسرار هو الذى حملهم على فعلها، فالندامة على التولى بأَصله وسببه وكأَنه قيل فماذا يقول المؤمنون فأَجاب بقوله:
{ وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا } بعضهم لبعض حين نزل بهؤلاءِ ما ندموا به { أَهَؤُلاَءِ } المنافقون استفهام تعجب { الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ } مفعول مطلق أَى إِقساما جهد أيمانهم وجاهدين جهد أيمانهم غاية طاقتهم فيها { إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ } يا معشر اليهود في الدنيا وهذا جواب القسم وفيه التفات سكاكى ومقتضى الظاهر إِنا لمعكم بالنصر كما قالوا{ وإِن قوتلتم لننصركم } { حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ } أَى الصالحات التي يظهرونها وما عملوا من الصالحات راجين به النجاة والثواب، والجملة خبر هؤلاء والذين تابع أَو خبر والجملة حال { فَأَصْبَحُوا } كالاصباح الذى مر { خَاسِرِينَ } دنيا وأُخرى وهنا تم كلام الذين آمنوا متعجبين من حبوط عملهم كأَنهم قالوا ما أَحبط أَعمالهم وما أَشد إِصباحهم خاسرين، وقيل الجملة من مقولهم المحذوف لا المذكور كأَنه قيل ماذا قال المؤمنون بعد قولهم المذكور فقيل قالوا حبطت أَعمالهم إِلخ، وهو قول بارد لا حاجة إِليه ولا دليل عليه ولا داعى إِليه، وأَجيز أَن تكون من كلامه صلى الله عليه وسلم على طريق الدعاءِ أَو الإِخبار ولا دليل على هذا القول أَيضا ولا داعى، ويجوز أَن يكون المراد بأَعمالهم ما اجتهدوا فيه من موالاة اليهود وإِطفاء دين الإِسلام، وذلك أَولى من أَن يقال هؤلاء الذين مبتدأ وخبر وحبطت أَعمالهم إلخ مستأَنف من كلام الله عز وجل وشهادة منه بحبوط عملهم أَى انتفاء الثواب له، ولو قال الجمهور بهذا والمعنى: يقول الذين آمنوا مخاطبين اليهود مشيرين إِلى المنافقين الذين كانوا يوالونهم ويرجون دولتهم ويظهرون لهم غاية المحبة وعدم المفارقة فى السراءِ والضراءِ عند مشاهدة خيبتهم ومضادة ما أَملوا: أَهؤلاءِ الذين إلخ، أَو المعنى: يقول المؤمنون بعضهم لبعض أَهؤلاءِ الذين أَقْسموا بالله تعالى لليهود إِنهم لمعكم والخطاب على المعنيين لليهود إِلا أَنه على الأَول من جهة المؤمنين وعلى الثانى من جهة المقسمين، والمختار عند بعض المعنى الثانى ويضعف ما قبل أَن الخطاب للمؤمنين أَى يقول الذين آمنوا بعض لبعض تعجبا من حال المنافقين إِذ أَقسموا لليهود أَنهم مع اليهود بالنصر ولما حل باليهود ما حل أَظهروا ما أَسروا من موالاتهم.