خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي ٱللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاۤئِمٍ ذٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
٥٤
-المائدة

تيسير التفسير

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ } ارتدت في زمانه صلى الله عليه وسلم بنو مدلج ورئيسهم ذو الحمار لقب به لأَنه كان له حمار يأْتمر بأَمره وينتهى بنهيه وهو الأَسود العنسى، وكان كاهنا تنبأَ باليمن واستولى على بلاده وأَخرج عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى معاذ بن جبل وسادات اليمن فأَهلكه الله على يد فيروز الديلمى فبيته وقتله، فأَخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله ليلة قتله فسر المسلمون بذلك وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد فأَتى خبر موته في آخر ربيع الأَول، وارتد بنو حنيفة وهم قوم مسيلمة الكذاب تنبأَ وكتب إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إِلى محمد رسول الله، أَما بعد فإِن الأَرض نصفها لى ونصفها لك وإِنى قد أَشركت في الأَمر ولكن قريش تعتدى. "فكتب إِليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله إِلى مسيلمة الكذاب السلام على من اتبع الهدى أَما بعد فإِن الأَرض لله يورثها من يشاءُ من عباده والعاقبة للمتقين" . وذلك سنة عشر قتله وحشى غلام مطعم ابن عدى فكان يقول: قتلت خير الناس - أَى حمزة - في جاهليتى وشرهم -أَى مسيلمة - في إِسلامى وذلك في خلافة الصديق وقيل شاركة في قتله عبد الله بن زيد الأَنصارى طعنه وحشى وضربه عبد الله بسيفه قال عبد الله: يسائلنى الناس عن قتله فقلت ضربت وهذا طعن، وروى أَنه أَرسل مسيلمة إِليه صلى الله عليه وسلم رسولين بكتاب فلما قرأَه قال لهما فما تقولان فقالا نقول بما قال، فقال صلى الله عليه وسلم لولا أَن الرسل لا تقتل لقتلتكما، فكتب إِليه مامر وذلك سنة عشر وارتد بنو أَسد وهم قوم طلحة بن خويلد تنبأَ فبعث إِليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد فقاتله فانهزم بعد القتال إِلى الشام ثم أَسلم وحسن إِسلامه، وارتد في زمان الصديق رضى الله عنه فزاره قوم عيينة بن حصن الفزاري وغطفان قوم قرة بن سلمة القشيرى وبنو سليم قوم عبد ياليل بكسر اللام الأُولى كهابيل وبنو يربوع قوم مالك بن نويرة اليربوعي، وبعض تميم قوم سجاح بنت المنذر المتنبئة التى زوجت نفسها من مسيلمة الكذاب وأَسلمت بعد قتله وحسن إِسلامها، وكندة قوم الأَشعث بن قيس الكندي وبنو بكر ابن وائل بالبحرين قوم الخطمي بن يزيد فكفى الله أَمرهم على يد الصديق رضى الله عنه، وارتدت فرقة واحدة في خلافة عمر بن الخطاب وهم جبلة بن الأَيهم وقومه لما طلب منه عمر أَن يقتص منه الذى لطمه في الطواف فهشم أَنفه وكسر ثناياه، ويروى خلع عينيه إِذ وطىءَ ثوبه فانكشف، فر هو وقومه ليلا إِلى الروم وهو من ملوك غسان، ويروى أَنه عوض في القصاص أَلفا فأَبى صاحبه وزاد حتى بلغ عشرة آلاف وأَبى إِلا القصاص، وروى أَنه قال: اقتص منى وأَناملك وهم سوقة، قال: نعم لأَنه شملك وإِياه الإِسلام، ومات مرتداً وقيل أَسلم وبسطت قصته في غير هذا { فَسَوْفَ يَأْتِى اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ } يوفقهم وينعم عليهم دنيا وأَخرى وهذا من أَدلتى على بطلان قول من وجب الإِظهار إِذا جرى اللفظ على غير ما هو له ولو ظهر المراد فإِن ضمير يحبهم لله لا للقوم ومع هذا لم يقل يحبهم هو { وَيُحِبُّونَهُ } يحبون دينه وطاعته ويعملون بهما مستمرين، وصح هذا الشرط لأن المعنى يعوض الله عنهم هذا القوم أَو يقدر يأْتى الله مكانهم بقوم، أَو هذا تعليل للجواب أَى لم ينقص الدين بارتداده لأَنه سوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه، والمضارعان لتجدد الإِنعام والتوفيق من الله وتجدد الطاعة منهم وإِن شئت فمحبة العباد لله ميلهم إِليه فيعبدوه ولا يعصوه ومحبة الله لهم إِثابتهم ومدحهم، ولا يفسر بالميل ووصفه بالميل إِشراك ولا يجوز عشقت الله سبحانه ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقال حب العباد لله تعالى طاعته بل هى لازم الحب { أَذِلَّةٍ عَلَى المؤْمِنِينَ } ضمن أَذلة معنى الحنو والعطف فعبر بعلى أَو عبر بعلى عن اللازم لمشاكلة قوله { أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ } أَى شداد عليهم غالبين، أَو العلو على ظاهره لفضلهم على سائر المؤمنين، كما أَنها في الثانى على ظاهرها وقدم الحبين لأَنهما سبب الذل والعزة، وقدم الذل لأَنه نفع لمن تذللوا له من المؤمنين وما ينفعهم مقدم وكانا بالوصف لا بالفعل كالحبين للرسوخ { يُجَاهِدُونَ فِى سَبِيلِ اللهِ } يتكرر منهم الجهاد في سبيل الله { وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ } ما { لاَئِمٍ } ما فقد انتفى الخوف من كل اللومات ومن كل اللائمين، والنكرة في سياق السلب للعموم حتى يدل دليل على عدمه، وقيل ظاهره في العموم إِلا إِن كانت مع من الزائدة أَو لا العاملة عمل إِن فنص فيه، إِلا أَن العموم في لائم استتباع للومة المضاف والقوم الفرس المسلمون المتبين أَثرهم في الدين كالإِمام عبد الرحمن بن رستم والإِمام أَفلح والإِمام عبد الوهاب والإِمام محمد، لما نزلت الآية، وفيهم نزل وإِن تتولوا يستبدل قوما غيركم، أَيضاً ضرب صلى الله عليه وسلم يده على كتف سلمان الفارسى فقال هذا وذووه، وقال لو تعلق الدين بالثريا لناله رجال من أَبناءِ فارس، ويناسب هذا ما وجدنا في نسخة قديمة على عهد حسين بن على جد هذا الباى الذى هو محمد الهادى على عهدى وقت التفسير المؤرخة باليوم المتمم عشرين من ربيع الثاني من عام أَلف ومائة وعشرين من الهجرة أَنه وقع نزاع بين بعض أَراذل تونس والمظابيين وطعنوا في دين المظابيين ونصب الباى مجلسا بحضرة شيخ الإِسلام وحكم بأَنه من طعن فى المظابيين يقتل شرعا إن لم يتب لأنه طعن في الإِسلام جملة ونحن كلنا تجمعنا كلمة التوحيد والمظابيون يوفون بالقول والعمل، انتهى ما وجد في تلك النسخة القديمة والحمد لله تعالى وعز وجل. وقيل القوم الذين جاهدوا يوم القادسية وهم أَلفان من نخع وخمسة آلاف من كندة وبجيلة وثلاثة آلاف من الناس، وقيل أَبو بكر وأَصحابه الذين قاتلوا أَهل الردة، وقيل أَهل اليمن لقوله صلى الله عليه وسلم لما نزلت: هم قوم هذا، وأَشار إِلى أَبى موسى، وقال في أَبى موسى: ضال مضل، وفى نفى خوف لومة لائم تعريض بالمنافقين إِذ كانوا يخافون إِذا خرجوا في الجهاد أَن يفعلوا من جهة المؤمنين ما يلومهم به اليهود كقتل عدو للمؤمنين ودلالة على عورة عدوهم { ذَلِكَ } ما ذكر من حب الله لهم وحبهم إِياه والذلة للمؤمنين والعزة على الكافرين والجهاد في سبيل الله وانتفاء خوف لومة لائم { فَضْلُ اللهِ } خيرا جاد به عليهم لا أجرة على شيءٍ { يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ } بتوفيقه { واللهُ وَاسِعٌ } كثير الخير إِثابة وفضلا { عَلِيمٌ } بمستحقى ذلك.