خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاَةِ ٱتَّخَذُوهَا هُزُواً وَلَعِباً ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ
٥٨
قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ
٥٩
-المائدة

تيسير التفسير

{ وَإِذَا نَادَيْتُمْ } أَهل الصلاة بكلمات الأَذان وسمى الأَذان نداءً لقول المؤذن حى على الصلاة حى على الفلاح { إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا } بنفسها وبالنداء إِليها، ويضعف رد الضمير إِلى المناداة المعلومة من ناديتم لعدم الحاجة إِلى ذلك والآية تقرير لما ثبت بالسنة من الأَذان وبحديث عبد الله بن زيد الأَنصارى في رؤيا الأَذان، وكذا قوله: { { إِذا نودى للصلاة من يوم الجمعة } [الجمعة: 9]، وفيه تلويح بأَن النداءَ يكون أَيضا في سائر الأَيام فالأَذان ثبت بالقرآن بعد أَن ثبت بالسنة { هُزُواً وَلَعِبا } الجملة معطوفة على قوله اتخذوا دينكم هزوا ولعبا فصل بينهما بأَولياء وبقوله: { { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } [المائدة: 57]. كان المشركون في مكة واليهود فى المدينة إِذا سمعوا الأَذان قالوا له مواجهة: بدعت مالم يكن للأُمم قبلك: وخالفت الأَنبياءَ وَأنت تدعى النبوة، لو كان حقا لكان للأَنبياءِ. من أَين لك صياح كصياح العير فما أَقبح هذا الصوت وهذا الأَمر. ونسب ذلك للمنافقين مع اليهود مواجهة وهو بعيد وإنما يقوله المنافقون في خلوة عنه صلّى الله عليه وسلم، وكذلك إِذا أَذن المؤذن وقاموا إِلى الصلاة قالت اليهود قاموا لا قاموا وصلوا لا صلوا ويضحكون استهزاءً إِذا رأُوهم ركعا وسجدا، ونزل في ذلك كله: { { ومن أَحسن قولا ممن دعا إِلى الله } [فصلت: 33]، وهذا في مكة ونزل بالمدينة وإِذا ناديتم إِلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا { ذَلِكَ } الاتخاذ هزؤا ولعبا { بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ } لا يستعملون عقولهم فلم تمنعهم عن السفه وكان نصرانى بالمدينة إِذا سمع قول المؤذن أّشهد أَن محمدا رسول الله قال أَحرق الله الكاذب، فدخل خادمه ليلا بنار وأَهله نيام فتطاير شررها فأَحرقه وأَهله، سأَل نفر من اليهود كأَبى اليسر بن أَخطب وغازى بن عمرو وزيد بن خالد ورافع بن أَبى رافع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن يؤمن به من الرسل فقال صلى اله عليه وسلم، "أُمن بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إِلى إبراهيم وإسماعيل وإِسحاق ويعقوب والأَسباط وما أُوتى موسى وعيسى وما أُوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أَحد منهم ونحن له مسلمون" ، فلما سمعوا ذكر عيسى عليه السلام جحدوا نبوته وقالوا والله لا نعلم أَهل دين أَقل حظا منكم في الدنيا والآخرة ولا دينا شرا من دينكم ولا نؤمن بمن آمنت به، يعنون عيسى أَو الكل غضبا كما قالوا: ما أَنزل الله على بشر من شيءٍ. وإن أَرادوا العموم فنزل قوله تعالى:
{ قُلْ يَا أَهْلَ الكِتَابِ } أَى اليهود وذكرهم باسم الكتاب تشنيعا عليهم بمخالفة ما فى الكتاب وإِرشادا إِلى أَن اللائق أَن يكونوا أول تابع، وكذا في غير هذه الآية، وكذا النصارى وقيل الخطاب لأَهل الكتاب مطلقا { هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا } من أَوصافنا { إِلاَّ أَنْ آمَنَّا باللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا } القرآن { ومَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ } من التوراة والإِنجيل وغيرهما، وأَن مصدرية دخلت على الماضى وضمن تنقم معنى تعيب أَو تنكر أَو تكره فعداه إِلى المصدر أَى ما تنقمون منا إِلا إِيماننا بالله إِلخ، أَو هو باق على ظاهره، ويقدر الجار قبل أَن. أَى ما تنقمون منا بكلام السوءِ والتكذيب إِلا بسبب إِيماننا، والأَصل أَن يقال نقمت عليه بكذا وكان هنا بمن لذلك التضمن، أَو هى بمعنى على وجعل الله عز وجل إِنكارهم لبعض الأَنبياء والكتب إِنكارا لله لأَن من كفر بكتاب أَو نبى فقد كفر بالله سبحانه، أَو المراد هل تنقمون منا إلا جمع ذلك بالإِيمان وتحبون أَن نؤمن بغير عيسى والإِنجيل فقط { وَأَنَّ أَكْثَرُكُمْ فَاسِقُونَ } عطف على أَن آمنا باعتبار لازم الفسق وهو المخالفة أَى ما تنقمون منا إِلا إِيماننا بذلك وإِلا مخالفتكم إِذ دخلنا في الإِيمان وخرجتم عنه، هذا هو المعنى، وأَما اللفظ فهكذا إِلا إِيماننا وفسق أَكثركم ويجوز العطف بدون اعتبار اللازم لكن على حذف مضاف أَى إِلا إِيماننا واعتقاد أَن أكثركم فاسقون، أَى واعتقاد فسق أَكثركم أَى واعتقادنا فسق أَكثركم، أَو يعطف على بالله أَى إِلا إِيماننا بالله وبأَن أَكثركم فاسقون، ومن لم يؤمن بأَن فعل الفاسق فسق لا يقبل إِيمانه بالله وكتبه، ولا داعى إِلى تكلف عطفه على علة محذوفة متعلقة بتنقم هكذا لقلة إِنصافكم وفسق أَكثركم، ولا إِلى تكلف نصبه بمحذوف أَى ولا تنقمون إِن أَكثركم فاسقون، أَو تكلف جعله مبتدأ خبره محذوف أَى وفسق أَكثركم معلوم أَو فسق أَكثركم معلوم عندكم ولكن حب الرياسة والمال منعكم عن الإِنصاف، ولا إِلى دعوى زيادة الواو وإِن ما بعدها تعليل ولا إِلى دعوى أَن الواو عاطفة بمعنى مع وأما أَن نجعلها واو المعية التي ينصب مدخولها فلا وجه له لأَنه لا بد فيها من المصاحبة في معمولية الفعل، نعم لم يشترط الأَخفش إِلا المقارنة في الوجود كما في سرت والنيل، وجئت وطلوع الشمس، ولما قالوا دينكم شر دين أَجابهم الله عز وجل.