خريطة الموقع > التفسير

التفاسير

< >
عرض

يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلاةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىۤ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَآءَ أَحَدٌ مِّنْكُمْ مِّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَآءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
٦
-المائدة

تيسير التفسير

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاَةِ } إِذا أَردتم الوقوف مستقبلين القبلة للصلاة، أَى إِذا خطر ببالكم أَن تفعلوا ذلك أَو قصدتم الفعل فقدموا على فعله الوضوءَ، ولا شك أَن فعل ذلك قيام إِلى الصلاة أَى توجه إِليها، وذلك تعبير عن اللازم بالملزوم أَو عن السبب بالمسبب إِيجازا أَو تنبيها على أَنه ينبغى لمن أَراد العبادة أَن يبادر بحيث لا ينفك الفعل عن الإِرادة، والمراد إِذا أَردتم الصلاة وأَنتم محدثون الحدث الأَصغر وهو ما نذكره فى الفروع من نواقض الوضوءً، وأَما الأَكبر ففى قوله: { وإِن كنتم جنبا } ومثله الحيض والنفاس، ومن تطهر لصلاة أَو غيرها من الحدث الأَصغر أَو الأَكبر بماء أَو تيمم صلى بتطهره ما لم ينتقض ولو صلاة يوم وليلة أَو أَكثر لما روى أَنه صلى الله عليه وسلم صلى به صلاة يوم وليلة يوم الفتح، فقال عمر فى ذلك إِنك فعلت ما لم تكن تفعل فقال: "عمدا فعلت" ، أَي بيانا للجواز ولأَنه شرط في التيمم الحدث كما قال: { وإِن كنتم مرضى أَو على سفر أَو جاءَ أَحد منكم من الغائط } إِلخ. وهو بدل من الوضوءِ وقوله فلم تجدوا ماءً صريح فى البدلية والاغتسال، ولمبدل منه حكم البدل فبطل قول الظاهرية أَنه ينتقض بدخول وقت الصلاة بعد الأَول، وأَن لكل صلاة طهارة، ويرده صلاته صلى الله عليه وسلم الخمس بوضوء واحد وصلاة الأَئمة كل صلاة بوضوء بعده صلى الله عليه وسلم ندب، ولن يثبت الخبر عن الإِمام على أَنه يفعل ذلك ولا يثبت ما قيل أَن الآية على ظاهرها من أَن لكل صلاة طهارة، ثم نسخ هذا التجدد لأَن سورة المائدة من آخر ما نزل فلم ينزل بعدها ناسخ من قرآن ولا جاءَت سنة متواترة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "المائدة من آخر ما نزل فأحلوا حلالها وحرموا حرامها" ، وروى أَبو داود وابن حبان والطبرى وغيرهم عن عبدالله بن حنظلة الغسيل "أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَمر بالوضوءَ لكل صلاة طاهرا كان أَو غير طاهر، ولما شق ذلك عليه صلى الله عليه وسلم أَمر بالسواك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوءَ إِلا من حدث" ، نعم الحديث هذا أَقوى من حديث المائدة آخر ما نزل، بل قال العراقى حديث المائدة آخر ما نزل لم أَجده مرفوعا والمراد فى حديث ابن حنظلة النبى صلى الله عليه وسلم وأَمته ولو ذكر وحده فلا يضعف بذكره وحده، والحق أَن الأَمر المجرد للوجوب فلا تقبل دعوى أَن الآية ندب إِلى التطهر لكل صلاة ولا يخفى ضعف إِخراجها على إِثبات الغرض، وبيانه إِلى الدعاءِ إِلى النفل مع أَنه لم يثبت فى آية أُخرى تفصيل أَعضاء الوضوء مثل هذه وعن زيد بن أَسلم أَن المراد إِذا قمتم من المضاجع { فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } من الأُذن للأُذن عرضا مع ما يليهما ومن أَعلى الجبهة مع قليل من الرأْس ليوقن بالتعميم إِلى أَسفل الذقن أَو أَسفل شعره إِن كان بإِيصال للجلد وإِن كثف الشعر كفى ظاهره وما ظهر من الشفتين عند الانضمام يغسل مع الوجه. والغسل إِفراغ الماء مع الدلك عندنا وعند مالك وذلك حقيقته فالدلك شطر فليس كما قيل الإِفراغ فرض والدلك إِكمال له وأَنه إِذا تحقق التعميم لم يجب الدلك ولم يشترط الشافعية والحنابلة الدلك زعما أَنه شرط للعموم لا شطر فإِن حصل العموم لم يحتج إِليه، والقطر شرط عند بعض وتكفى قطرة وغير شرط عند بعض كأَبى يوسف، وجاءَ الحديث باشراب العينين الماءَ لئلا تريا نارا حامية لآغسلهما لأَنه ضرر وثلآث مسحات غسلة واحدة كل بماء جديد. { وَأيْدِيَكُمْ إِلَى المَرافِقِ } بايصال الماءِ إٍلى ما بين الأَصابع مع الدلك بحك بعض ببعض أَو بإِدخال الأَصابع وإِن وصل الماء بينها بدون ذلك وعم كفى لقلة ما بينهن، ودخلت المرافق فى الغسل ولم يدخلها داود وزفر والجمهور على الأَول، وقيل إِلى بمعنى مع كقوله تعالى { { ويزدكم قوة إِلى قوتكم } [هود: 52]، أَو نقدر حالا أَى وأَيديكم مضافة إِلى المرافق بالغسل فلذكر المرافق فائدة الحد إِذ لو لم تذكر لاحتمل اللفظ العموم إِلى الإِبط واحتمل الكف، واحتملها والذراع ولما لم تتميز المرافق حكمنا بدخولها وصح عنه صلى الله عليه وسلم أَنه أَدار الماءَ على مرفقيه، ويغسل الكفان مع الذراع ويجب نزع الخاتم أَو تحريكه على الصحيح، والمرفق موضع الارتفاق أَى الانتفاع بالاتكاءِ وهو بكسر ففتح على الراجح وجاز بفتح وقسمة الآحاد على الآحاد على التسوية هنا فكل أَحد يغسل يديه معا وقد يكون لأَحد يد واحدة يصب عليها بأُخرى غير قادرة إِلا على إِمساك الإِناءِ والصب، أَو يد واحدة لا أُخرى معها فيغسلها بالغمس فى الماءِ والشد فيكون القسمة بلا تسوية كقوله تعالى: { جاءَتهم رسلهم بالبينات }، فقد يتعدد لرسول ما لم يتعدد لغيره من الرسل. { وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ } تلصقوا بها فقلنا يكفى ثلاث شعرات تعزل فيجر عليهن بثلاث أَصابع، والشافعى بعض شعرة وهو أَدنى ما يطلق عليه المسح ويتحقق، وذلك فى الكلام على الإِجزاءِ فإِن أَصحابنا والشافعى لا يقتصرون على الثلاث ولا على بعض الواحدة وأَبو حنيفة الربع لمسحه صلى الله عليه وسلم من مقدم رأَسه نحوه ومالك وأَحمد الكل حوطة لعل مسح الربع فقط لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم، وكما يغسل الوجه كله، نعم روى المغيرة أَنه صلى الله عليه وسلم توضأَ فمسح بناصيته ومقدار الناصية ربع الرأْس من مقدمة، وفى رواية عنه على ناصيته وهى لا توجب استيعابه الناصية بخلاف رواية الباء فإِنه يتبادر منها الاستيعاب، وروى أَبو داود عن أَنس أَنه صلى الله عليه وسلم مسح مقدم رأسه والباء صلة أَو تبعيض وكونها صلة يوجب الكل أَو يتبادر به ويجب الأَخذ بالمتبادر إِن لم يعارض مانع، وقد وجب غسل الوجه كله لعدم الباء ولكن لا دليل على دعوى الزيادة، ويجزىء المسح بثلاث أَصابع أَو قدرها من اليد مع استيعاب القدر الواجب من الرأْس وأَجيز بأصبعين وبأصبع وبنحو عود. { وَأَرْجُلَكُمْ } عطف على وجوه أَو أَيدى فهى مغسولة كما جاءَت به السنة وعمل الصحابة وهو قول الجمهور وكما جاءَ الحد بقوله عز وجل { إِلَى الكَعْبَيْنِ } ولم يجىء فى المسح الحد وساغ الفصل بين المتعاطفين بجملة غير معترضة وهى فاغسلوا للايماءِ إِلى تقليل صب الماءِ حتى كأَنها تمسح كالرأس لأَنها مظنة الإِسراف فى الماءِ إِلى الآن وإِلى الترتيب وجوبا أَو ندبا ولو كانت الواو لا تفيده لكن يستفاد بذكرها بعد، والترتيب يفاد بالذكر إِذا لم يكن مانع كما يفاد بحرفة كالفاء، قال صلى الله عيه وسلم فى السعى: "نبدأ بما بدأَ الله به" ولو قصد الترتيب لم يفصل بالرأْس وليس واجبا عندنا وعند أَبى حنيفة ولا دليل على كون الباء صلة فتعطف على محل الرءُوس فتنصب، ولا على كون العطف على محل مدخول باء التبعيض لأَنه لا يظهر ذلك المحل فى الفصيح فلا يعطف عليه فى الصحيح، ثم إِنها إِن كانت تمسح فقد نسخ مسحها بالحديث. قال عطاءِ: والله ما علمت أَحدا من أَصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على القدمين. وعن عائشة - رضى الله عنها -: لأَن تقطعا أَحب إِلى من أَن تمسحا. { وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } فاغتسلوا، وأَما الحيض ويلحق به النفاس ففى قوله فإِذا تطهرن وأَجاز بعضهم إِدخالهما هنا بما فيها من المباعدة الموجودة فى مادة (ج. ن. ب) إِلا أَنه خارج عن العرف وهو أَن الجنابة المعنى القائم بالذات لغيوب الحشفة أَو قدرها من مقطوعها أَو لنزول النطفة بوجه ما، ودخل فى الغسل الفم والأَنف لأَنها من الظاهر بدليل غسلهما فى الوضوءِ، وجاءَ الحديث بغسلهما للجنابة بعد الكفين وقبل الرأس ولا غسل لداخل العينين للمضرة إِلا إِشراب الماء لهما لمن قدر، وأَصل اطهروا تطهروا أبدلت التاء وادغمت فى الطاءِ فجئ بهمزة الوصل لسكون الأَول ولا يكفى أَن يوضئ أَحدٌ أَحداً لأَنه غير معقول المعنى، وكذا غسل الجنابة والحيض والنفاس، ومن قال غسل الجنابة والحض والنفاس معقول المعنى أَجاز أَن يغسل أَحد غيره إِن حل له مس عورته وإِلا كفى وكفر بالمس، وكذا يكفى الغسل بماء حرام على أَنه معقول المعنى وغرم. { وإِن كُنْتُمُ مَرْضَى } وجد الماء أَو لم يوجد مرضاً يضره الماء بزيادة أَو بتأْخير البرءِ، وبالأَولى إِن كان يحدث { أَوْ عَلَى سَفَرٍ } ثابتين على سفر قادرين على استعمال الماء وكذا فى قوله { أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغَائِط } الموضع المنخفض المطمئن الذى كان فيه لبول أَو أَو فضله طعام والمراد بالذات خروج ذلك منه مطلقاً { أَوْ لاَمَسْتُمُ } جامعتم { النِّسَاءَ } قادرين على استعماله { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً } شامل لما إِذا فقد أَو حضر وحيل دونه بعدم آلة أَو بعدو أَو سبع ولا بد من طلبه أَن ترجح أَو شك فيه { فَتَيَمَّمُوا } أَى اقصدوا { صَعيدًا } تراباً { طيِّبًا } طاهراً منبتا غير مغصوب ولا حصل بوجه حرام، ولم يشترط قوم الإِنبات، وبينت السنة ما نفعل من الضربتين والنية بينتها فى الوضوءِ والاغتسال وكما بينت أَن الفم والأَنف من ظاهر وأَمر بغسلهما فى الاغتسال كما يدل له غسلهما فى الوضوء وكما بين ما يمسح بقوله { فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيديكُمْ } أَكفكم كما هو المتبادر عند الاطلاق كما فى القطع، والقائل إِلى المرفق يقول الإِضافة للعهد الذكرى { مِنْهُ } يتبادر اللصوق فلا يتيمم بالحجر والحصى وكرر ذلك ليتصل الكلام فى بيان أَنواع الطهارة. قيل: ولئلا يتوهم النسخ على أَن المائدة آخر ما نزل، ومن للآبتداء قيل أَو للتبعيض { مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ } للام للتعليل ومفعول يريد محذوف أَى ما يريد الله الأَمر بالطهارة بالماء أَو بالتراب ليجعل عليكم ضيقاً { وَلَكِنْ يُرِيدُ } الأَمر بها { لِيُطَهِّرَكُمْ } من الأَحداث الموجبة لها كالنجس والغيبة ففى محل النجس بعد غسله خبث حكمى، ومن الذنوب فإِن الوضوء تكفير لها كما جاءَ أَن من الوضوءِ إِلى الوضوءِ كفارة، وإِن ذنوب أَعضاء الوضوءِ تخرج منها مع الماء، أَو ليطهركم بالتراب إِذا لم تجدوا ماءً أَو لم تطيقوا استعماله وقيل المراد تطهير القلب عن دنس التمرد وليست اللام زائدة ومصدر مدخولها مفعول يريد لأَن اللام الزائدة لا تضمر أَن بعدها وأَجازه المبرد والرضى وابن هشام، وعن المبرد إرادتى لكذا أَو أَردت كذا واللام زائدة. { وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } فى الدين بشرع ما يطهر أَبدانكم ويكفر ذنوبكم أَو برخصة التيمم { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } نعمه، وفى الآية طهارتان أَصل وهو ما بالماءِ وبدل وهو ما بالصعيد والأَصل مستوعب وهو الغسل لأَنه يعم البدن كله وغير مستوعب وهو الوضوء لأَنه فى أَعضاء لا فى كل البدن ولو استوعب أَعضاء الوضوء، والوضوء غسل ومسح وهو أَيضاً غير مذكور بآلة الحد كإلى وهو غسل الوجه ومسح الرأس ومحدود بها وهو غسل اليدين والرجلين إِذ ذكرت فيهن إِلى والطهارة إِما بمائع وهو الماء وإِما بجامد وهو الصعيد وموجبها حدث أَصغر أَو أَكبر، ومسيغ الصعيد مرض أَو فاقد ماءَ كما فى السفر وإِن شئت فقل المسيغ عدم وجود الماءِ حقيقة أَو حكماً وذلك بالمرض أَو السفر غالباً والموعود به لذلك تطهير الذنوب وإِتمام النعمة، وإِن شئت فقل الموعود به إِما التنظيف وإِما تطهير الذنوب فتلك أَربعة عشر فكا وسبعة تركيباً لكن بعضها متداخل وبعضها تقسيم الكل إلى أَجزائه وبعضها تقسيم الكلى إِلى جزئياته، وزاد بعض أَن غير المحدود وجه ورأس والمحدود يد ورجل والنهاية كعب ومرفق والشكر قولى وفعلى.